(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ قَالَ مَالِكٌ.
وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يُحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَانِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنْ الْحَجِّ بَعْدَمَا يُحْرِمُ إمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَأٍ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ) .
(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ كَسْرٌ أَوْ بَطْنٌ مَخُوفٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَطْلُقُ قَالَ فَمَنْ أَصَابَهُ هَذَا مِنْهُمْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا هُمْ أُحْصِرُوا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ بَقِيَ حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فَإِنْ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: فَسْخُهُ بَاطِلٌ، وَقَالَ مَرَّةً إنْ جَهِلَ فَفَعَلَ صَحَّ تَحَلُّلُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ لَوْ تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ، وَأَصْلُهُ مَنْ أَحْرَمَ فِي هَذَا الْعَامِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَصَحَّ تَحَلُّلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا تَحَلَّلَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ تَحَلُّلِهِ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ عُمْرَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ تَرَخَّصَ فِيهِمَا بِتَرْكِ السَّفَرَيْنِ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً وَإِنَّمَا تَحَلَّلَ بِهَا مِنْ حَجَّةٍ فَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ حُكْمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعُمْرَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْصُودَةٍ.
(فَصْلٌ) :
وَإِنْ أَرَادَ التَّقَدُّمَ إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَرَاهِيَةِ اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَحُجَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ حَلَّ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ قَضَاءً عَنْ حَجَّتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وَمُنِعَ مِنْ إتْمَامِهَا وَيُجْزِئُ ذَلِكَ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى مَا دَخَلَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَمَّا كَانَ أَحْرَمَ بِهِ.
(ش) : احْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِيَارُهُ هُوَ فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِين فَاتَهُمَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ قَدْ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَكَانَ هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَدْ أَخْطَأَ الْعِدَّةَ فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ يَرَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَمَرَهُمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَقْضِيَا الْحَجَّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَا فَرَأَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ حُكْمُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ عَنْ إتْمَامِ نُسُكٍ دُونَ يَدٍ غَالِبَةٍ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ حُبِسَ عَنْ تَمَامِ حَجِّهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِهِ، وَكَانَ حَبْسُهُ ذَلِكَ بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُرِيدُ مِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرَضِ فِي الْأَعْذَارِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الطَّرِيقَ وَلَا هِيَ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِكِينَ وَأَمَّا الَّذِي يُخْطِئُ الْعَدَدَ، مِثْلُ أَنْ يَظُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَخْفَى عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ فِي خَطَأِ الْعَدَدِ فَإِنَّ خَطَأَ الْعَدَدِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ خَفَاءِ الْهِلَالِ مِثْلُ أَنْ يُخْطِئَ فَيَظُنَّ يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ الْحَجُّ فَإِنَّ هَذَا مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ يُرِيدُ مِنْ التَّمَادِي إلَى الْبَيْتِ وَأَنَّهُ لَا يُحِلُّ دُونَهُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْهَدْيَ وَالْمُحْصَرُ عِنْده هُوَ الَّذِي لَمْ يُمْنَعْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ سَبَبُ الْمَنْعِ وَأَمَّا الْمَمْنُوعُ فَهُوَ مَحْصُورٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ سَبَبٌ مَانِعٌ مِثْلُ أَنْ