) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ» وَعِلَّةُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِيَدٍ ظَالِمَةٍ غَالِبَةٍ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ بِمَحْصُورٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَقَدْ كُنْت عِنْدَ مَالِكٍ فِي نَفَرٍ مُحْرِمِينَ اُتُّهِمُوا فِي دَمٍ فِيمَا بَيْنَ الْأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ فَرُدُّوا إلَى الْمَدِينَةِ وَحُبِسُوا فَسَأَلَ مَالِكٌ عَنْهُمْ وَأُخْبِرَ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُحِلُّهُمْ إلَّا الْبَيْتُ فَأَمَّا الْحَبْسُ فِي الدَّيْنِ وَالتُّهْمَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ لَا يَسْتَدِيمُ الْمَنْعُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ اقْتِضَاءَ حَقٍّ يُتَرَقَّبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَدَاؤُهُ وَالتَّخَلُّصُ مِنْهُ، وَأَهْلُ التُّهَمِ مُتَرَقَّبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ظُهُورُ بَرَاءَتِهِمْ مِنْهَا أَوْ إقْرَارُهُمْ بِالْحَقِّ فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ مَعَ أَنَّ الْحَابِسَ بِيَدِ حَقٍّ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تُحْرِمُ فِي تَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ أَنْ يُحِلَّهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِوَجْهِ حَقٍّ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ وَأَمَّا الْمَسْجُونُ فِي دَيْنٍ أَوْ تُهْمَةٍ فَإِنَّ الْحَابِسَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْعُهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عِلَّةُ جَوَازِ الْمُحْصَرِ غَيْرَ عِلَّةِ جَوَازِ تَحَلُّلِ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ تَجْمَعُهُمْ عِلَّةٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَمْنُوعٌ بِيَدٍ غَالِبَةٍ تَقْصِدُ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ فَكَانَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ الْمَنْعَ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ عَامٍّ فَلَهُ حُكْمُ الْمُحْصَرِ وَإِذَا كَانَ بِسَبَبٍ خَاصٍّ كَالْمَسْجُونِ فِي حَقٍّ أَوْ الَّذِي مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ فَهَذَا سَبَبُهُ خَاصٌّ فَلَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ سَبَبِ الْحَصْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ وَمَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ التَّحَلُّلَ كَالْمَرَضِ وَمَا أَشْبَهَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ قَدْ سَاقَهُ وَأَمَّا تَحَلُّلُهُ لِلْحَصْرِ فَلَا يُوجِبُ هَدْيًا عِنْدَ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَحَلُّلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ عَارٍ مِنْ التَّفْرِيطِ وَإِدْخَالِ النَّقْصِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ هَدْيٌ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَكْمَلَ حَجَّهُ، وَدَلِيلٌ ثَانٍ يَخْتَصُّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحَرُّمٌ وَتَحَلُّلٌ فَإِذَا سَقَطَ قَضَاؤُهَا بِالْفَوَاتِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ جُبْرَانُهَا كَالصَّلَاةِ إذَا سَقَطَ قَضَاؤُهَا لِفَوَاتِ الْإِتْيَانِ بِهَا بِالْحَيْضِ وَالْإِغْمَاءِ سَقَطَ جُبْرَانُ الْفَوَائِتِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ وَمَنْ تَابَعَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] قَالَ وَهَذَا مِمَّنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ، وَقَدْ خَالَفَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَشْهَبَ فِي هَذَا، وَقَالُوا الْإِحْصَارُ إنَّمَا هُوَ إحْصَارُ الْمَرَضِ وَأَمَّا الْعَدُوُّ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ: حُصِرَ حَصْرًا فَهُوَ مَحْصُورٌ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الْفَرَّاءُ إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ أَحَصَرَهُ الْمَرَضُ وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُقَالُ: حَصَرَهُ إلَّا فِي الْعَدُوِّ وَحْدَهُ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْإِحْصَارِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِمَا فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ حَكَى عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: أُحْصِرَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَمَا كَانَ مِنْ سِجْنٍ أَوْ حَبْسٍ قِيلَ: فِيهِ أُحْصِرَ فَهُوَ مَحْصُورٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: أُحْصِرَ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ فِيهِ حُصِرَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ قُبِرَ الرَّجُلُ إذَا دُفِنَ وَأَقْبَرَ الرَّجُلَ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا وَمَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعَدُوِّ: أُحْصِرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاللِّسَانِ مَعَ التَّقَدُّمِ وَالْعِلْمِ، وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَرَضُ دُونَ الْعَدُوِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَالْمَحْصُورُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ