(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا فَقَالُوا: أَوَّلًا تَأْكُلُ أَنْتَ فَقَالَ: إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا ابْنَ أَخِي إنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ فَإِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ تَعْنِي أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ الصَّيْدِ كُلَّهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَأْكُلُهَا فَخَافَ الصَّعْبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي وَجْهِهِ أَعْلَمُهُ وَجْهَ رَدِّهِ لَهَا لِيُزِيلَ مَا فِي نَفْسِهِ وَلِيُعْلِمَ أُمَّتَهُ هَذَا الْحُكْمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْإِحْرَامِ فِي حَالِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الصَّيْدِ.
(ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إحْرَامَ الرَّجُلِ مُتَعَلِّقٌ بِوَجْهِهِ فَلَا يُخَمِّرُهُ وَفِعْلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَنْعَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا إحْرَامٌ فَكُرِهَ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ يُرِيدُ شَدِيدَ الْحَرِّ وَقَوْلُهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ الْقَطِيفَةُ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ وَالْأُرْجُوَانُ صُوفٌ أَحْمَرُ لَا يُنْتَقَضُ شَيْءٌ مِنْ صَبْغِهِ فَلَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ إلَّا لَمَّا أَنْكَرَهُ عُمَرُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ وَقَالَ إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي ذَهَبَ إلَى أَنَّ الصَّيْدَ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَلَى مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ وَإِنْ كَانَ صِيدَ مِنْ أَجْلِ عُثْمَانَ وَلَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَأْخُذُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حِينَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي صِحَّةَ ذَكَاتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ وَذَبَحَهُ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ لِحَلَالٍ وَلَا لِحَرَامٍ أَكْلُهُ، وَالِاصْطِيَادُ وَالذَّبْحُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِينَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا كَانَتْ ذَكَاتُهُ هَذَا الصَّيْدَ مَمْنُوعَةً لِحَقِّ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا تَقَعَ بِهَا ذَكَاةٌ وَلَا اسْتِبَاحَةُ أَكْلٍ كَمَا لَوْ بَاشَرَ ذَلِكَ الْمُحْرِمُ أَوْ أَمَرَ بِهِ.
(ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَا ابْنَ أَخِي إنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ تُشِيرُ إلَى قِصَرِ مُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْوَحْشِ فِي مَوْتِهِ لَا يَلْحَقُ بِهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَسِيرٌ يُسْتَسْهَلُ لِمَا يَخْتَلِجُ فِي النَّفْسِ مِنْ أَمْرِ الصَّيْدِ فَمَا كَانَ يَشُكُّ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لَحْمِ الصَّيْدِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ وَيَتْرُكَ أَصْلَهُ إلَّا مَا تَيَقَّنَ إبَاحَتَهُ وَوَضَحَ لَدَيْهِ حُكْمُهُ وَلَمْ يَخْتَلِجْهُ شَكٌّ فِي إبَاحَتِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كَمَا يَأْكُلَ لَحْمَ الْأَنْعَامِ، وَلَمْ يُفَسِّرْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ كَلَامَهُمَا فِي لَحْمِ الصَّيْدِ وَلَكِنْ أَوْرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا حَفِظَهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَا فَهِمَ مِنْ مَقْصِدِهِ وَتَيَقَّنَ مِنْ مَعْنَاهُ وَهَذَا دَلِيلُ فَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَثِقَةِ نَقْلِهِ وَاقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي حِفْظِهِ وَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ عُمُومَ لَفْظِ الْحَدِيثِ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي إنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلَائِلُ فَمَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ فَدَعْهُ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ وَصُنِعَ مِنْ أَجْلِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ عَالِمًا بِذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ بِأَثَرِهِ وَقَدْ قِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَيْتَةً إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَيَذْبَحَهُ عَلَى