(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ: أَمَّا مَا مَسَّتْهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْرَامِهِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَغُسْلِ رَأْسِهِ بِالْغَاسُولِ أَوْ نَحْوِهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ قَبْلَ إحْرَامِهِ لِبَقَاءِ رَائِحَةِ طِيبِهِ، وَلِادِّهَانِ الْمُحْرِمِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِي: بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الِادِّهَانِ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَأَمَّا الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطِّيبِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فَبَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ التَّحَلُّلِ فَإِنَّ الْإِدْهَانَ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ بِدُهْنٍ مُطَيِّبٍ وَغَيْرِ مُطَيِّبٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ اللَّيْثِ إبَاحَةَ ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ الْأَدْهَانِ وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُنَافِي الشَّعَثَ فَمُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ كَالتَّطَيُّبِ وَالتَّنَظُّفِ فِي الْحَمَّامِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُنَافِي الشَّعَثَ وَيُزِيلُهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْفِدْيَةُ كَغُسْلِ رَأْسِهِ بِالْغَاسُولِ وَدُخُولِهِ الْحَمَّامَ.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إسْقَاطُ الْفِدْيَةِ لِظُهُورِ الْخِلَافِ فِي إبَاحَتِهِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ إذَا خُلِطَ بِمَأْكُولٍ وَأُنْضِجَ بِالنَّارِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ الْخَبِيصَ والخشكنان وَمَا طَبَخَتْهُ النَّارُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ غَيَّرَتْ فِعْلَ الطِّيبِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَجَازَ لَهُ أَكْلُهَا.
وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ شَيْئًا فِيهِ طِيبٌ قَدْ اُسْتُهْلِكَ حَتَّى لَا يُرَى فِيهِ أَثَرٌ وَلَا رَائِحَةٌ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ لَهُ أَثَرُ صَبْغٍ أَوْ رَائِحَةٍ فَتَلْزَمُهُ بِهِ الْفِدْيَةُ،.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي شُرْبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَتُكْرَهُ الدَّقَّةُ الصَّفْرَاءُ وَالْأُشْنَانُ الْأَصْفَرُ وَالشَّرَابُ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّ التَّطَيُّبَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُسْتَهْلَكٌ وَلَا هِيَ مَعْمُولَةٌ بِالنَّارِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ بِتَنَاوُلِهَا الْفِدْيَةُ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْبُوخَ بِالنَّارِ لَا يُعْتَبَرُ بِأَنْ يَكُونَ الزَّعْفَرَانُ غَلَبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِيمَا خُلِطَ بِغَيْرِهِ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَا كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فِيهِ طِيبٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ كَالْخَبِيصِ والخشكنان فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ بِالطَّبْخِ قَدْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ طِيبًا وَلَحِقَ بِالطَّعَامِ وَلِأَنَّهُ فِي وَقْتِ أَكْلِهِ مُتْلَفٌ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَغَلَبَةِ الطَّعَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُحَرِّرْ الْقَوْلَ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الطَّبْخُ وَالثَّانِي غَلَبَةُ مَا مَازَجَهُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَلَبَةَ الْمُمَازَجِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالِاسْتِهْلَاكُ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي إبَاحَةِ مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْعَيْنِ جُمْلَةً وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الِاسْتِهْلَاكِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِيمَا مَسَّتْهُ النَّارُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي تَنَاوُلِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: نَفْيُهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا مَسَّتْهُ النَّارُ حَتَّى لَا يَلْصَقَ بِالْيَدِ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْخَبِيصِ والخشكنان فَأَمَّا الْفَالُوذُ وَالدَّقَّةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يَلْصَقُ زَعْفَرَانُهُ بِالْيَدِ وَالشَّفَةِ فَيَصْبُغُهَا فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْفَالُوذُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يَلْصَقُ زَعْفَرَانُهُ بِيَدٍ وَلَا شَفَةٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا طُبِخَ مِنْ الْأَمْرَاقِ كَالسِّكْبَاجِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ لِلنَّارِ تَأْثِيرًا فِي الْإِبَاحَةِ فَعَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَعْلَقُ بِالْيَدِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اسْتِهْلَاكِ الطِّيبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَا جَمِيعًا