(ص) : (مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ تُؤْخَذَ النَّعَمُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ إلَّا فِي جِزْيَتِهِمْ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQإيَّاهَا فَقَالَ عُمَرُ تُقْطَرُ بِالْإِبِلِ فَتَمْشِي مَعَ جُمْلَتِهَا وَتَهْتَدِي بِهَا فَقَالَ أَسْلَمُ فَكَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ؟ يُرِيدُ أَنَّهَا لَا تَبْقَى إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبْصِرُ مَرَاعِيَ الْإِبِلِ وَلَا تَعْلَمُ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَى أَمْرٌ حَدَثَ بِهَا حِينَئِذٍ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مُرَاجَعَةَ أَسْلَمَ لَهُ بِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ اقْتِنَاؤُهَا وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهَا إلَّا لِلْأَكْلِ سَأَلَ أَمِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ هِيَ لِيَعْلَمَ اخْتِصَاصَهَا بِالْمَسَاكِينِ أَوْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَيَعْلَمَ أَنَّ أَكْلَهَا جَائِزٌ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فَلَمَّا قَالَ هِيَ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ عَلِمَ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهُ بِأَنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا كَانَ يَدْعُوهُمْ لِأَكْلِ أَمْثَالِهَا مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَاعْتَقَدَ فِي أَسْلَمَ رَغْبَةً فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَرَدْتُمْ - وَاَللَّهِ - أَكْلَهَا فَاسْتَظْهَرَ أَسْلَمَ بِوَسْمِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مُقْتَضَى مُخَالَفَةِ وَسْمِ الْجِزْيَةِ لِوَسْمِ الصَّدَقَةِ احْتِيَاطًا مِنْ عُمَرَ لِيَصْرِفَ كُلَّ مَالٍ فِي وَجْهِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَمَرَ عُمَرُ بِهَا فَنُحِرَتْ وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ فَاكِهَةٌ وَلَا طَرِيفَةٌ إلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ تَكُونُ عِنْدَهُ الطَّرَائِفُ وَالْفَوَاكِهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الْجِزْيَةِ وَالْأَحْبَاسِ وَخَرَاجِ الْأَرْضِينَ وَسَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ لِلْأَغْنِيَاءِ فَكَأَنَّهُ أَعَدَّ هَذِهِ الصِّحَافَ عَلَى عِدَّةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتَعَاهَدَهُنَّ بِالْفَوَاكِهِ وَالطَّرَائِفِ، وَمُرَاقَبَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِفْظًا لَهُ فِي أَهْلِهِ بَعْدَهُ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِاخْتِصَاصِ حَفْصَةَ بِهِ يَجْعَلُ لَهَا مِنْ آخِرِ مَنْ يَجْعَلُ لَهَا مِنْهُنَّ، وَإِنْ نَقَصَ بَعْضُ السِّهَامِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ جَعَلَ النَّقْصَ فِي حَظِّهَا طَلَبَ مَرْضَاتِ غَيْرِهَا وَعِلْمًا بِأَنَّهَا سَتَرْضَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَأْسَفُ مِنْ إيثَارِهِ عَلَيْهَا إذْ كَانَ أَبَاهَا، وَيَجُوزُ لَهُ التَّبَسُّطُ عَلَيْهَا وَتَتَيَقَّنُ مَحَبَّتَهُ فِيهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يُرِيدُ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إلَى أَكْلِهِ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ وَإِينَاسًا وَتَوَاسِيَا فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ لِلْأَكْلِ عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ جَعَلَ لِعُثْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِالْكُوفَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ شَاةٍ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجَعَلَ لِصَاحِبَيْهِ رُبُعَ شَاةٍ رُبُعَ شَاةٍ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّعَمَ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ صَدَقَةً كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ النَّعَمُ فِي جِزْيَتِهِمْ بِقِيمَتِهَا.

وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ فَقَالَ وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَعَمِ الْإِبِلِ فَيَأْخُذُهَا فِي الْجِزْيَةِ قَالَ وَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ تَكُونُ جِزْيَتُهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَتُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ بِكَذَا وَكَذَا، وَابْنَةُ لَبُونٍ بِكَذَا وَكَذَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ لِإِقَامَتِهِمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ وَالْحِمَايَةِ لَهُمْ، وَالْعَيْنُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَكَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَضْعَهَا عَنْهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَضْعَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا فَلَا يُطْلَبُونَ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِمَا إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى عَامِلِ عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ فَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ يُبْطِلُ فَائِدَتَهُ وَحَمْلُهُ عَلَى إبْطَالِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِزْيَةِ يَقْتَضِي فَائِدَتَهُ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَاجَ عُمَرُ إلَى أَنْ يُكَاتِبَ بِهِ وَيَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى رَأْيِهِ فِيهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَيُؤَدِّيهَا فِي حَالِ إسْلَامِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015