(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَكْرَهُونَ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ لَا فِي أَوَّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَمَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى بَرَكَةِ الشَّهْرِ وَمَا يُرْجَى لِلْعَامِلِ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كَثْرَةَ الثَّوَابِ عَلَى صِيَامِ الشَّهْرِ وَقِيَامِهِ وَأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ كَمَا يُقَالُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ قَدْ فُتِّحَتْ لَكُمْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَكُمْ فِعْلٌ تَدْخُلُونَهَا بِهِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الْغُفْرَانِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْ الذُّنُوبِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُصَفَّدُ حَقِيقَةً فَتَمْتَنِعُ مِنْ بَعْضِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تُطِيقُهَا إلَّا مَعَ الِانْطِلَاقِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ تَصَرُّفِهَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمَغْلُولُ الْيَدِ إلَى الْعُنُقِ يَتَصَرَّفُ بِالْكَلَامِ وَالرَّأْيِ وَكَثِيرٍ مِنْ السَّعْيِ.
وَيَحْتَمِلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ لِبَرَكَتِهِ وَثَوَابِ الْأَعْمَالِ فِيهِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ تَكُونُ الشَّيَاطِينُ فِيهِ كَالْمُصَفَّدَةِ؛ لِأَنَّ سَعْيَهَا لَا يُؤَثِّرُ وَإِغْوَاءَهَا لَا يَضُرُّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ صِنْفًا مِنْ الشَّيَاطِينِ يُمْنَعُونَ التَّصَرُّفَ جُمْلَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ السِّوَاكَ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لَا فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي أَوَّلِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهِيَتِهِ فِي آخِرِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرِهِ سَوَاءٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِي آخِر النَّهَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَا يُكْرَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَمْ يُكْرَهْ آخِرَهُ كَالْمَضْمَضَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ السِّوَاكُ يَابِسًا فَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَهُ طَعْمٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِهِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَسْبِقَ شَيْءٌ مِنْ طَعْمِهِ إلَى حَلْقِ الصَّائِمِ فَيُفْسِدَ صَوْمَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَرِّرَ بِالْفَرْضِ لِمَوْضِعِ الْفَضِيلَةِ وَهِيَ السِّوَاكُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجْعَلُهُ الصَّائِمُ بِاخْتِيَارِهِ فِي فَمِهِ وَيَصِلُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى مَوْضِعِ فِطْرِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَكْرُوهٌ وَمُبَاحٌ فَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَمِثْلُ الطَّعَامِ بِمَضْغِهِ لِلصَّبِيِّ وَلَحْسِهِ الْمِدَادَ وَذَوْقِ الْقِدْرِ فَإِنَّ ابْنَ نَافِعٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلصَّائِمِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَمْرٌ يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ دُونَ ضَرَرٍ وَلَا عَوْنَ فِيهِ عَلَى الصَّوْمِ بَلْ فِيهِ تَغْرِيرٌ بِالصَّوْمِ.
1 -
(فَرْعٌ) فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَمَجَّهُ فَقَدْ سَلِمَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ جَوْفُهُ شَيْءٌ مِنْهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ تَعَمَّدَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا عِنْدِي حُكْمُ السِّوَاكِ الرَّطْبِ وَمَا لَهُ طَعْمٌ مِمَّا يَتَعَمَّدُ الْإِنْسَانُ وَضْعَهُ فِي فِيهِ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مَا لَهُ رُطُوبَةٌ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي فِيهِ كَالْمَاءِ يَتَمَضْمَضُ بِهِ الصَّائِمُ لِشِدَّةِ الْعَطَشِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَبْتَلِعُ رِيقَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي بَعْدَ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ طَعْمُ الْمَاءِ وَيَخْلُصُ طَعْمُ رِيقِهِ كَالْمُغْتَسِلِ وَالْمُتَوَضِّئِ يَتَمَضْمَضُ أَوْ الدَّوَاءُ يُضْطَرُّ الصَّائِمُ إلَى مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ بِهِ فِي النَّهَارِ.
وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنْ خَافَ الضَّرَرَ بِتَأْخِيرِ التَّدَاوِي بِهِ إلَى اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُفْطِرَ فَإِنْ أَفْطَرَ مَغْلُوبًا بِأَنْ يَصِلَ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ تَعَمَّدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ يَقْضِي؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ