(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى صِيَامِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ) .
جَامِعُ قَضَاءِ الصِّيَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ إنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَصُومَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهَا الْإِطْعَامُ وَيَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْإِطْعَامِ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا فَلَا إطْعَامَ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى حَمْلِهَا فَعَلَيْهَا الْإِطْعَامُ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ لِعُذْرٍ مَوْجُودٍ بِهَا فَلَمْ يَلْزَمْهَا إطْعَامٌ كَالْمَرِيضَةِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ وَالْحُبْلَى دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا تُطِيقُ الصِّيَامَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى فَجَازَ أَنْ يَجِبَ فِيهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى كَالْحَجِّ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمُرْضِعُ فَإِنْ ضَعُفَتْ عَنْ الصَّوْمِ مَعَ إرْضَاعِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ يَرْضِعُهُ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَقَبِلَ غَيْرُهَا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرُهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ أَرْضَعَتْ ابْنَهَا وَهَلْ عَلَيْهَا إطْعَامٌ أَوْ لَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا نَفْيُ الْإِطْعَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ إيجَابُهُ وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(ش) : هَذَا الْفَصْلُ يَقْتَضِي أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُؤَقَّتٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّ وَقْتَهُ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ آخَرَ مَتَى أَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مَعَ الْقَضَاءِ وَبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْكَلَامُ مَعَهُ أَوَّلًا فِي تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَا كَانَتْ تَسْتَطِيعُ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْبَدَنِ تَتَكَرَّرُ فِي وُجُوبِهَا مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَإِذَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الَّتِي تَلِيهَا كَانَ مُفَرِّطًا عَاصِيًا كَالصَّلَاةِ وَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ فَإِذَا أَخَّرَهَا بِتَفْرِيطٍ حَتَّى عَادَ وَقْتُهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ كَالْحَجِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ يُؤَخِّرُ الْحَجَّ إلَى عَامٍ ثَانٍ وَبِذَلِكَ يَكُونُ مُفَرِّطًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فَرَّطَ فِيهِ إطْعَامُ مِسْكِينٍ مُدًّا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ أَشْهَبُ يُطْعِمُ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ مُدًّا وَنِصْفًا وَهُوَ قَدْرُ شِبَعِ أَهْلِ مِصْرَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي إطْعَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطْعِمَ مُدًّا كَامِلًا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يُفَرِّقُهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ وَأَكْثَرَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُتِمَّ مُدًّا كَامِلًا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَهَكَذَا الْكَفَّارَاتُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قَدْرُ الطَّعَامِ وَعَدَدُ الْمَسَاكِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
[جَامِعُ قَضَاءِ الصِّيَامِ]
(ش) : قَوْلُهَا إنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ تُرِيدُ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُمْكِنْهَا صَوْمُهَا فِيهِ بِحَيْضٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَهَا حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ وَمِثْلُ هَذَا إذَا تَكَرَّرَ فَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَانِعِ شُغْلٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَّفِقَ مَرَضٌ فِي كُلِّ عَامٍ يَتَّصِلُ إلَى شَعْبَانَ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلَّا فِي شَعْبَانَ قَالَ يَحْيَى لِشَغْلٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِالنَّبِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّمَنَ يَصِحُّ فِيهِ الْقَضَاءُ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ لِشَغْلِهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى