(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ إذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى وَيَوْمُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فِيمَا بَلَغَنَا وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .
النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّك تُوَاصِلُ فَقَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ قَالُوا فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ عِلْمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَتَرَجَّحَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُجْزِئُهُ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ شَرَعَ فِي صَوْمِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَتَابَعُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ كَمَا لَوْ نَوَى تَفْرِيقَهُ فِي شَوَّالٍ وَذِي الْقِعْدَةِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ نَوَى التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ مَا يَصِحُّ صَوْمُهُ مِنْ مُدَّةِ صَوْمِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَا يُفْسِدُ تَتَابُعَهُ الْفِطْرُ فِي مُدَّةٍ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا كَالْفِطْرِ فِي اللَّيْلِ وَفِطْرِ الْمَرْأَةِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ ذَلِكَ إلَى الضَّعْفِ وَأَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِهَا.
وَقَالَ هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَنْ فَعَلَهُ آثِمٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَلَمْ يَخُصَّ صَوْمًا مِنْ صَوْمٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُسْتَدَامَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَصِحُّ فِعْلُهُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ.
[النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ]
(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ يُرِيدُ وِصَالَ صَوْمِ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ وَظَاهِرُ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَالتَّحْرِيمَ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ تَلَقَّوْهُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَلِذَلِكَ وَاصَلُوا بَعْدَ نَهْيِهِ لَهُمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا فَفِي هَذَا دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ لَمْ يُخَالِفُوهُ بِالْمُوَاصَلَةِ كَمَا لَمْ يُخَالِفُوهُ بِصَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَاصَلَ بِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَاصَلَ بِهِمْ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إنَّك تُوَاصِلُ اسْتِعْلَامًا مِنْهُمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ لِمَعْنًى مَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّعْفِ وَيُرِيدُهُ بِهِمْ مِنْ الرِّفْقِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِنْ هَذَا غَيْرُ حَالِهِمْ مِنْ طَرِيقِ قُوَّتِهِ عَلَى الصَّوْمِ بِمَا يُطْعِمُهُ اللَّهُ وَيَسْقِيه وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الزَّمَانَ مُخْتَصٌّ بِصَوْمِهِ دُونَ صَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِقُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُطْعِمُهُ رَبُّهُ وَيَسْقِيه وَلِذَلِكَ قَالَ حَدِيثُ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَبِيتُ يُطْعِمنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَحْظُورَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُونَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يُطْعَمُ وَيُسْقَى الْكِنَايَةَ عَمَّا يَخْلُقُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الصِّيَامِ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يَتَأَذَّى بِالْوِصَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ كَانَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُعْتَادَيْنِ لَمَا كَانَ مُوَاصِلًا وَلَكَانَ مُفْطِرًا