(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثِرْهُ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قُلْت رَأَيْت زَيْدًا وَمَرَرْت بِعَمْرٍو وَخَالِدًا وَأَنْتَ تُرِيدُ الْعَطْفَ عَلَى مَوْضِعِ عَمْرٍو لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حِينَئِذٍ عَلَى أَيِّهِمَا تُرِيدُ عَطْفَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ فِي الْعَطْفِ وَهُوَ أَنَّ الْغَسْلَ قَدْ يُسَمَّى مَسْحًا لِأَنَّ الْمَسْحَ خَفِيفُ الْغَسْلِ حَكَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ قَالَ وَلِذَلِكَ يُقَالُ تَمَسَّحْت لِلصَّلَاةِ بِمَعْنَى تَوَضَّأْت فَيَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى الرَّأْسِ فَيَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَسْلَ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مَتَى اشْتَرَكَا فِي لَفْظِ مَا يُعْطَفُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ الْعَطْفُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «تَخَلَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا وَنَادَى وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ عُضْوٌ مَنْصُوصٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ فَرْضُهُ فِي الْوُضُوءِ الْغَسْلَ كَالْيَدَيْنِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَرْفَعُ الْحَدَثَ فَكَانَ فَرْضُ الرِّجْلَيْنِ فِيهَا الْغَسْلَ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مَنْ نَصَّ قَوْلَهُمْ بِمَا رَوَاهُ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ» وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الصَّحِيحِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِلَّةٌ إلَّا اجْتِمَاعَ الرُّوَاةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِيهِ لَقَالُوا وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ خُفًّا فِيهِ رِجْلُهُ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ ضَرَبَ رِجْلَهُ وَيُقَالُ أَخَذْت بِعَضُدِ زَيْدٍ وَإِنَّمَا أَخَذْت بِثَوْبِهِ مِنْ فَوْقِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْغَسْلَ وَسَمَّاهُ مَسْحًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَنَحْمِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِعِلَّةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الْغَسْلِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ إلَيْهِمَا حَدُّ الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِي ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُمَا النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيْ السَّاقَيْنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ الْأَظْهَرُ.
(ش) : وَقَوْلُهُ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ يُرِيدُ الْمَاءَ» وَكَذَلِكَ هُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ هُوَ وَضْعُ الْمَاءِ فِي الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِالنَّفَسِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ مُسْتَحَبَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ وَأَمَّا الصَّائِمُ فَمَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِصَوْمِهِ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُهُ «ثُمَّ لِيَنْثِرْهُ» مَعْنَاهُ يُنْزِلْ الْمَاءَ مِنْ أَنْفِهِ يَدْفَعُهُ بِنَفَسِهِ وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفِهِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الَّذِي يَسْتَنْثِرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ فَرَوَى سَحْنُونٌ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ قُلْت لِمَالِكٍ كَيْفَ الْوِتْرُ فِي الِاسْتِجْمَارِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَآخُذُ الْعُودَ فَأَكْسِرُهُ ثَلَاثَ كِسَرٍ وَأَسْتَجْمِرُ بِكُلِّ كِسْرَةٍ مِنْهُنَّ فَإِنْ كَانَ الْعُودُ مَدْقُوقًا أَخَذْت مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ عَلِيٌّ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ إنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ مِنْ