(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ بْن سِيرِينَ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ تَعْنِي بِحِقْوِهِ إزَارَهُ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQخِرْقَةً أُخْرَى وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَرُ مِنْهُ غَيْرَ عَوْرَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيَجْعَلُ الْغَاسِلُ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً كَثِيفَةً مَطْوِيَّةً مِرَارًا يَتَنَاوَلُ بِهَا غَسْلَ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ لِيَصِلَ إلَى غُسْلِهِ وَلَا يُبَاشِرُ عَوْرَتَهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا كَالنَّظَرِ إلَيْهَا فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بَاشَرَهَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الْحَيِّ لِلْمُدَاوَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا إذَا غَسَّلَ الرِّجَالُ الرَّجُلَ وَالنِّسَاءُ الْمَرْأَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا غَسَّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فَأَمَّا غَسْلُ ذَوِي الْمَحَارِمِ الْمَرْأَةَ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ» فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا لَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا، وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَوْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا وَذَقَنُهُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ اغْسِلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَ دُونَ أَيْدِيهِمْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَهُ إلَّا نِسَاؤُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» يَقْتَضِي مُرَاعَاةَ الْوِتْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ بَابُ الطِّهَارَاتِ الْمَشْرُوعَةِ كَالْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ ثَلَاثًا كَانَتْ وِتْرًا فَإِنْ زَادَ الْغَاسِلُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُرَاعِ الْوِتْرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهُ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» فَجَعَلَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْخَمْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَرْبَعِ فَإِنْ قِيلَ فَفِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يُسَوِّي بَيْنَ مَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى الْخَمْسَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى الْوِتْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْخَمْسَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوِتْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ «ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْوِتْرُ.
وَالثَّانِي: الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ السِّتَّةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» وَهَذَا يُبَيِّنُ جَمِيعَ مَا قُلْنَاهُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ فَكَانَ الْوِتْرُ مَشْرُوعًا فِيهَا كَالْوُضُوءِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» عَلَى مَعْنَى تَفْوِيضِ هَذَا الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْغَاسِلِ وَقَدْ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْغُسْلِ ثَلَاثًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَمْسًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَسَبْعًا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «بِمَاءٍ» الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ