(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَقْرَأُ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» وَالسَّجْدَةُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ سَجْدَةً فِي تِينِكَ السَّاعَتَيْنِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّجُودِ وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِلْعَزْمِ عَلَى النَّاسِ فِي السُّجُودِ فِيهَا وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ تَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مِنْهُ مَا لَا بُدَّ مِنْ السُّجُودِ فِيهِ وَهِيَ عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ وَمِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ السُّجُودُ فِيهِ جُمْلَةً عَلَى مَعْنَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمِنْهُ مَا خُيِّرَ فِيهِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ أَظْهَرُ عِنْدِي.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ مَوَاضِعَ سُجُودِ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] وَفِي الرَّعْدِ قَوْله تَعَالَى {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15] وَفِي النَّحْلِ قَوْله تَعَالَى {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وَفِي سُبْحَانَ قَوْله تَعَالَى {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَفِي مَرْيَمَ قَوْله تَعَالَى {سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وَفِي الْحَجِّ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَفِي الْفُرْقَانِ قَوْله تَعَالَى {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَفِي النَّمْلِ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَوْلَى لِإِتْمَامِ الْكَلَامِ وَفِي الم تَنْزِيلٌ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفِي ص قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وَفِي حم فُصِّلَتْ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَسْأَمُونَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَاسِعٌ وَفِي النَّجْمِ خَاتِمَتُهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ فِي انْشَقَّتْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذِكْرِ السُّجُودِ وَفِي سُورَةِ الْعَلَقِ آخِرُهَا.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَمَّا كَانَتْ صَلَاةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي وَقْتِهَا فَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ لَا يَقْرَأُ بِهَا بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ السُّجُودِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمَنْعَ مِنْ قِرَاءَتِهَا مَعَ تَرْكِ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَسْجُدُ لِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَسْجُدُ لَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَلَا يُرَخَّصُ فِي السُّجُودِ لَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّ هَذِهِ صَلَاةُ نَافِلَةٍ فَمُنِعَتْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا فَجَازَ فِعْلُهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قِيَاسِ هَذَا عَلَى الطَّائِفِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنْ لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَا بَيْنَ قَبْلِ الْإِسْفَارِ وَمَا بَيْنَ الْإِسْفَارِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى وَقْتَ الْإِسْفَارِ لِلصُّبْحِ وَقْتَ ضَرُورَةٍ لَا وَقْتَ اخْتِيَارٍ كَاصْفِرَارِ الشَّمْسِ لِلْعَصْرِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ قَرَأَهَا فِي وَقْتٍ يَمْنَعُ مِنْ سُجُودٍ أَوْ قَرَأَهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ مَالِكٌ يَخْطِرُ فِيهَا وَلَا يَقْرَؤُهَا.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ السُّجُودِ وَمَمْنُوعٌ مِنْ قِرَاءَتِهَا وَتَرْكِ السُّجُودِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَوْضِعَ السُّجُودِ فَلَا يَقْرَؤُهَا.
وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ يَتَعَدَّى مَوْضِعَ السُّجُودِ خَاصَّةً وَلَا يَتَعَدَّى الْآيَةَ كُلَّهَا (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَرَأَ بِسَجْدَةٍ وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ تَسْمَعُ هَلْ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ إلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ) ش وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحَائِضُ غَيْرَ طَاهِرَةٍ