(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) .
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَصْفُهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ «إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ» دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَعْقِلُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَيَصِحُّ مِنْهُ امْتِثَالُهَا وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِ مَنْ هُوَ دُونَ هَذَا السِّنِّ عَلَى الشَّرَائِعِ وَمَنْعِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ.
وَقَدْ نَزَعَ تَمْرَةً مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى يُرِيدُ أَنَّهُ يَؤُمُّهُمْ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِأَنَّهُ يُصَلِّي لَهُمْ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَذًّا لَمَا كَانَتْ صَلَاتُهُ لَهُمْ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْهِ فِي بَعْضِ الصَّفِّ يُرِيدُ الصَّفَّ الَّذِي يَأْتَمُّونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُرُورُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الْأَتَانِ فَنَزَلَ مِنْ عَلَيْهَا وَأَرْسَلَهَا وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ أَوْ أَرْسَلَهَا بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ دُخُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّفِّ مَعَ الْمُصَلِّينَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ فِعْلِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَغْلَبِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مُرُورُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْأَتَانِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ لِيُخْبِرَ وَيَحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِعْلَهُ إلَّا لِفَائِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِفِعْلِهِ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ مَنْ يَلْزَمُ إقْرَارُهُ وَإِنْكَارُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لِمَنْ وَرَاءَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الْمَأْمُومِ وَكُرِهَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ فَأَبْعَدَ وَلِذَلِكَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ عَنَزَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَلَا يَحْتَاجُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ إلَى ذَلِكَ» .
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) .
(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مَنْ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصُّفُوفُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حِينَ إقَامَتِهَا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ مَالِكٍ إنِّي لَأَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ فَحَمَلَ إقَامَةَ الصَّلَاةِ عَلَى إقَامَتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ غَيْرَ أَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْمَدْخَلِ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَتَى فِي الْبَرَاحِ وَالْمُتَّسَعِ مِنْ الْأَرْضِ فَمَشَى بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ لِضِيقٍ وَأَنَّهُ أَتَى ذَلِكَ مُخْتَارًا وَيَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَصَدَ الِاحْتِيَاطَ بِأَنْ أَجَابَ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَّا بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ وَلَمْ يَجِبْ عَمَّنْ وَجَدَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذَا ثَبَتَتْ الْحَاجَةُ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ يُبَاحُ مِمَّنْ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِيهِ.
(ش) : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ يَقْطَعُهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ عَدَلْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ وَلَقَدْ رَأَيْتَنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَوَسَّطُ