(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيَهَا بِصَلَاتِهِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعْتَمِرًا فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ مَالِكٌ يُتِمُّ الصَّلَاةَ كَأَنَّ مَكَّةَ صَارَتْ لَهُ وَطَنًا وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ وَمَعْنَى اسْتِيطَانِهِ لَهَا أَنَّهُ أَقَامَ بِهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ مُدَّةَ الْإِتْمَامِ وَلَمْ يَقُمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ يُتِمُّ إذَا عَادَ إلَيْهَا لِأَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ الْقَصْرِ.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يُتِمُّ إذَا عَادَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْوَطَنِ لَهُ يُتِمُّ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يُتِمُّ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْهَا وَطَنًا وَإِنَّمَا أَتَمَّ بِهَا أَوَّلًا لِطُولِ الْمُقَامِ بِهَا فَبِخُرُوجِهِ عَنْهَا إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ يَبْطُلُ حُكْمُ الْمُقَامِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ إلَيْهَا وَلَوْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ لَا يَقْصُرُ فِيهَا لَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْإِتْمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْقَصْرِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَاعِي فِيهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ كَامِلَةٍ قَالَ عَنْهُ عِيسَى وَلَا يَعْتَدُّ بِيَوْمِ دُخُولِهِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي أَوَّلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ إذَا نَوَى مُقَامَ زَمَانٍ تَجِبُ فِيهِ عِشْرُونَ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ.
وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ حُكْمُ الْمُقَامِ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْأَيَّامِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِهَا.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَيَّامِ مِنْ أَجْلِ الصَّلَوَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذْ نَوَى الْمُقَامَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا نَافِلَةً رَكْعَتَيْنِ وَيَسْتَأْنِفُ فَرْضَهُ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ صَلَاتَهُ بِنِيَّةٍ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَهَا وَهَذَا إنَّمَا أَحْرَمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَصَلَّاهَا أَرْبَعًا أَجْزَأَتْهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى إحْرَامِهِ وَيُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَتُجْزِئُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ رَكْعَةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَشْفَعَهَا بِرَكْعَةٍ وَيَجْعَلَهَا نَافِلَةً ثُمَّ يُصَلِّي فَرْضَهُ أَرْبَعًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى تَكُونُ فَرْضَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ لَزِمَهُ حُكْمُ السَّفَرِ فَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً وَيَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَلَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَهَا وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ تَمَادَى عَلَيْهَا.
(فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى السَّفَرَ بَعْدَ أَنْ نَوَى الْمُقَامَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ فَقَدْ أَجْزَأَهُ مَا صَلَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتَنِفَ الْقِصَارَ بِرُجُوعِ نِيَّتِهِ إلَى السَّفَرِ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ.
وَقَالَ سَحْنُونَ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَظْعَنَ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا كَانَ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا رَجَعَ عَنْهُ بِمَا نَوَى مِنْ الْمُقَامِ فَإِذَا نَوَى السَّفَرَ رَجَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ السَّفَرُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِهَا عَامِلَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى اقْتِرَانِ الْعَمَلِ بِهَا فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالْمَوْضِعِ فِي الْمُقَامِ.
وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونَ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ لَا تُوجِبُ الْقَصْرَ حَتَّى يُقَارِنَهَا الْعَمَلُ وَالْخُرُوجُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ السَّفَرَ.
(فَصْلٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا يُرِيدُ مَا لَمْ أَنْوِ الْمُقَامَ مُدَّةً تَمْنَعُ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِمَنْزِلٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْوِي فِي كُلِّ يَوْمٍ الِانْتِقَالَ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ مَانِعٌ وَلَا يَدْرِي مَتَى يَنْتَقِلُ فَإِنَّ هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيَهَا بِصَلَاتِهِ) .
(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَنْوِي إقَامَتَهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَنْوِي كُلَّ يَوْمٍ السَّفَرَ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ