(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ اسْتِيطَانِهِ وَالْقَصْرُ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِالسَّفَرِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ مَرَضٍ وَلَا سِوَاهُ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ مَالِكٍ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ) .
(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْيَوْمَ التَّامَّ هُوَ أَنْ يَقْطَعَ جَمِيعَهُ بِجَدِّ السَّيْرِ وَلَا يُقَالُ فِي عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَإِنْ مَشَاهَا فِي جَمِيعِ يَوْمِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الصَّيْفِ لِلرَّجُلِ الْمُجِدِّ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْإِشَارَةَ إلَى اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) .
(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَصِيرَ الْمَسَافَةِ كَالْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا وَصَفَ خُرُوجَهُ مَعَهُ إلَى الْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ سَفَرًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالْإِمْتَاعِ فَأَمَّا أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ حَقِيقَةً فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَا وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عِنْدَهُمْ اسْمُ السَّفَرِ عَلَى طَوِيلِ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْقَائِلَ لَوْ قَالَ سَافَرَ زَيْدٌ لَمَا فُهِمَ مِنْهُ الْخُرُوجُ إلَى مَسِيرَةِ الْمِيلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَلَا فُهِمَ مِنْهُ إلَّا السَّفَرُ وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَى طَوِيلِ الْمَسَافَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَفْظُ نَافِعٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ فَيُحْتَجَّ بِلَفْظِهِ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَتْ فِي نُطْقِهِ لُكْنَةٌ.
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيَّ) .
(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ الَّتِي ذَكَرَ هِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ أَوْ نَحْوُهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ أَفْعَالَ الصَّحَابَةِ وَكَثَّرَ مِنْهَا لَمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ تَوْقِيتٌ عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَشُهْرَةِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ وَتَكَرُّرِهِ مِنْهُمْ وَعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا إلَى أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي اعْتِبَارِ مَسَافَةٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ دُونَهَا وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَسَافَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ.
(ش) : قَوْلُهُ لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِنِيَّةِ عَزْمٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَزْمُهُ عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ مِثْلَ أَنْ يَمُرَّ بِمَنْزِلِ رَفِيقِهِ فَإِنْ خَرَجَ سَافَرَ مَعَهُ وَإِنْ أَقَامَ لَمْ يُسَافِرْ فَهَذَا لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْعَزْمُ عَلَى السَّفَرِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِسَيْرٍ مُتَّصِلٍ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ سَيْرًا مُتَّصِلًا وَنَوَى فِي أَثْنَائِهِ مُقَامًا لَا يُتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي جَمِيعِ سَفَرِهِ وَإِنْ نَوَى مُقَامًا يُتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ ذَلِكَ كَوَطَنِهِ يُرَاعَى مَا قَبْلَ الْمُقَامِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ لَا يَقْصُرُ إلَّا فِي مُقَامِهِ وَجَعَلَ مَا قَبْلَ مُقَامِهِ وَمَا بَعْدَهُ مَسَافَةً وَاحِدَةً.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا مَا تَتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ فَأَتَمَّ فِيهِ الصَّلَاةَ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَسَافَةَ كُلَّهَا مَسَافَةُ قَصْرٍ فِي حَقِّهِ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ وَلَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُدُنِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْقُرَى الَّتِي لَا يُجْمَعُ فِيهَا فَحَتَّى يُجَاوِزَ بَسَاتِينَهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَزَارِعِهَا.
وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْقَرْيَةِ فَلَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ الِاسْتِيطَانِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُ الِاسْتِيطَانِ الْبُيُوتُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَا فِي الْمُقَامِ وَيَعْتَبِرَ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا فِي السَّفَرِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ النُّزُولُ مِنْهُ إلَى الْجُمُعَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَطَنِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَيْنَ