(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَرَادَا أَنْ يَمْنَعَاهُ مِنْ مُرَادِهِ بِإِظْهَارِ بَرَكَتِهِ وَمُعْجِزَتِهِ فِيهَا فَقَالَا نَعَمْ لِيُدْخِلَا عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ بِامْتِنَاعِ مُرَادِهِ.
وَقَدْ رَوَى الدُّولَابِيُّ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِرُسُلٍ بِوَادٍ مِنْ الْمُنْتَفَقِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ فَأَمَّا وَجْهُ سَبِّهِ لَهُمَا إنْ كَانَا مُنَافِقَيْنِ أَوْ عَالِمَيْنِ بِنَهْيِهِ حَامِلَيْنِ لَهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا إنْ كَانَا يَعْلَمَا بِنَهْيِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسُبَّهُمَا مَا إذَا كَانَ سَبَبًا لِفَوَاتِ مَا أَرَادَهُ مِنْ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَلِإِدْخَالِهِمَا الْمَشَقَّةَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا يَسُبُّ السَّاهِيَ وَالنَّاسِيَ وَيَلْحَقُهُمَا اللَّوْمُ إذَا كَانَا سَبَبًا لِفَوَاتِ أَمْرٍ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَرَفُوا مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ جَمَعُوا مِنْ مَاءِ الْعَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ مَا أَمْكَنَهُمْ إلَى أَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُ قَدْرُ مَا غَسَلَ مِنْهُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَهَذَا نِهَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهِ فَجَرَتْ الْعَيْنُ إخْبَارٌ عَنْ الْمُعْجِزِ الْعَظِيمِ وَعَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ بَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا لِلْمُنَافِقَيْنِ وَتَصْدِيقًا لِمَا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَاسْتَغْنَى النَّاسُ أَيْضًا عَنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهُ النَّاسُ وَهُمْ أَهْلُ الْجَيْشِ عَلَى كَثْرَةِ عَدَدِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بِك حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا إخْبَارٌ لِمُعَاذٍ بِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي لَا طَرِيقَ لِأَحَدٍ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِخْبَارُهُ بِذَلِكَ لِمُعَاذٍ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ مِمَّنْ اسْتَوْطَنَ الشَّامَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَقَدْ مُلِئَ جِنَانًا وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ سَيَمْتَلِئُ جِنَانًا بِمَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُعْجِزَةٌ غَيْرَهَا لَظَهَرَتْ حُجَّتُهُ وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ) .
(ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَإِنَّمَا خَصَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي خَبَرِهِ هَذَا ذِكْرَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّهُ جَرَى لَهُ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ اسْتَعْجَلَ فِيهِ بِسَبَبِ زَوْجِهِ صَفِيَّةِ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَيَعْنِي الْكَلَامَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعُذْرِ الْمَطَرِ وَأَمَّا الْخَوْفُ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمْ أَسْمَعْهُ لِأَحَدٍ وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ تَلْحَقُ بِهِ الْمَشَقَّةُ وَمَشَقَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ فَإِذَا كَانَ الْجَمْعُ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ فَبِأَنْ يَجُوزُ لِلْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْلَى وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] .
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعُذْرِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ كَالْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا يُتَوَقَّعُ مَعَ آخِرِ الصَّلَاةِ جَمَعَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ خَوْفًا يَمْنَعُ مِنْ تَكْرَارِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَالِانْفِرَادِ بِهَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا الْمُخْتَارِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فَأَمَّا الْمَطَرُ وَالطِّينُ فَلَيْسَا مِمَّا يُبِيحُ الْجَمْعَ فِي صَلَوَاتِ النَّهَارِ وَإِنَّمَا يُبِيحُهَا فِي