مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ]
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا نَدْرِي ذَلِكَ إلَّا فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا مِنْ التَّطَوُّعِ وَمَنْ أَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمْ تُجْزِهِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ.
وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الَّذِي آخُذُ بِهِ وَسَمِعْته عَمَّنْ أَرْضَى أَنَّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ مِنْ الْأَمْوَالِ النَّاضَّةِ وَالْغَنَمِ وَالْحُبُوبِ وَتَطَوُّعِ النَّاسِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ مَصْرُوفٌ إلَى الصَّدَقَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ الَّتِي هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الصَّدَقَةِ غَيْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَلَا قَبُولٍ وَالْهَدِيَّةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ وَمُوَاصَلَةٌ فَلِذَلِكَ اُخْتُصَّتْ بِالْمُعَيَّنِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا فُرِضَ لَهُ فِي الْجِزْيَةِ فَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ لَهُ رَجَوْت أَنْ يُصْنَعَ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ يَسْتَبِيحُ فِيهِ أَكْلَ الْمَيْتَةِ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآلِ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي بَنِي هَاشِمٍ بِأَعْيَانِهِمْ دُونَ مَوَالِيهِمْ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ صَرِيحُهُمْ وَمَوَالِيهِمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا تُطَهِّرُ أَمْوَالَهُمْ وَتُكَفِّرُ ذُنُوبَهُمْ وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَخْذُ الْفُقَرَاءِ لَهَا كَمَا يَسُوغُ لَهُمْ عِنْدَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الْمَحْظُورُ مِنْ الطَّعَامِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَزِّهَ آلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ الصَّبْرُ أَفْضَلَ مِمَّا لِغَيْرِهِمْ وَأَنْ تَكُونَ أُمَّتُهُ تَدَّعِي آلَهُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعْطُوا مِنْ أَفْضَلِ الْمَطَاعِمِ مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَجْهٌ يَخْرُجُ بِهِ الْمَالِ إلَى الْمُعْطَى؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ لَا يَقْتَرِنُ بِهِ إكْرَامٌ وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فَعَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ تَكُونُ الْهِبَةُ ذَلِكَ مُقْتَضَاهَا وَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ لِلْعِوَضِ وَلَا تَكُونُ لِلصَّدَقَةِ لِلْعِوَضِ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إبِلًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَإِنْ مَنَعْته كَرِهْت الْمَنْعَ، وَإِنْ أَعْطَيْته أَعْطَيْته مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُك مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا» .
(ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ وَهَلْ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إبِلًا مِنْ الصَّدَقَةِ» يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ سَأَلَهُ فِي أُجْرَةِ عَمَلِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَتِهِ مِمَّا غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ أَوْ مِمَّا لَيْسَ هُوَ بِأَهْلٍ لَهُ «فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ» مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ بَلَغَ مِنْهُ الْغَضَبُ إلَى أَنْ أَبْدَاهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ