(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132] ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَامَاتِ الْكَرَاهِيَةِ مَا عُرِفَتْ بِهِ كَرَاهِيَتُهُ لِمَا وُصِفَتْ بِهِ الْحَوْلَاءُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ مِنْ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَلِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَلَلَ مِنْ الْبَارِّي إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْإِثَابَةِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَلَلُ مِنَّا هُوَ السَّآمَةُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْأَمْرَيْنِ التَّرْكَ وَصَفَ تَرْكَهُ بِالْمَلَلِ عَلَى مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ وَأَنْتُمْ تَمَلُّونَ.

1 -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدَهُمَا: النَّدْبُ لَنَا إلَى تَكَلُّفِ مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ مِنْ الْعَمَلِ.

وَالثَّانِي: نَهْيُنَا عَنْ تَكَلُّفِ مَا لَا نُطِيقُ وَالْأَمْرُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا نُطِيقُهُ وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِنَفْسِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْعَمَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَمَلَ الْبَرِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَفْظٌ وَرَدَ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَكُمْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ طَاقَةٌ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّنَفُّلَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ كُلِّ إنْسَانٍ وَنَشَاطِهِ وَمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ وَإِيقَاظُهُ أَهْلَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ نَافِلَةِ اللَّيْلِ بِحَظٍّ وَإِنْ قَلَّ فَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَهُوَ السَّحَرُ وَقَدْ قَلَّ قِيَامُهُ فَلْيَتَوَخَّ بِهِ أَفْضَلَ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] يَحْتَمِلُ أَنْ يُوقِظَهُمْ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْبَارِّي تَعَالَى فَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا لِيَتَأَكَّدَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ مِنْ إيقَاظِهِمْ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) .

(ش) : يَعْنِي كَرَاهِيَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَتَعْرِيضِهَا لِلْفَوَاتِ فَقَدْ يَذْهَبُ بِهِ النَّوْمُ حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُهَا وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ تَحَدَّثَ مَعَ ضَيْفٍ أَوْ قَرَأَ عِلْمًا زَادَ الدَّاوُدِيُّ أَوْ الْعَرُوسِ أَوْ مُسَافِرٍ.

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةُ اللَّيْلِ يُرِيدُ بِذَلِكَ النَّافِلَةَ وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِضَافَتُهَا إلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَقْتَضِي أَنَّ لِلَّيْلِ نَافِلَةً وَلِلنَّهَارِ نَافِلَةً وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ النَّهَارِ الْهَاجِرَةُ قَالَ مَالِكٌ إنَّمَا كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَبِالْهَاجِرَةِ وَالْوَرَعَ وَالْفِكْرَةَ قِيلَ لَهُ فَالتَّنَفُّلُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ إنَّمَا كَانَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِاللَّيْلِ وَالْهَاجِرَةِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَأَنِّي رَأَيْته يَكْرَهُ الصَّلَاةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا وَقْتُ التَّصَرُّفِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِ النَّوْمِ وَالدَّعَةِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي وَقْتٍ يَبْعُدُ عَنْ صَلَاةِ فَرْضٍ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ.

1 -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَثْنَى مَثْنَى يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا صَلَاةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا يُرِيدُ أَنَّ النَّوَافِلَ لَا يُزَادُ فِيهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015