(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ جَاءَ بِغُلَامٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ اقْطَعْ يَد غُلَامِي هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَاذَا سَرَقَ فَقَالَ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ بَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِ الْوَدِيِّ لَكَانَ لَهُ قَطْعُهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى مُطَالَبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَيُقْطَعُ غَابَ أَوْ حَضَرَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً} [المائدة: 38] ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِمَ يَفْتَقِرْ إلَى حُضُورِ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ الزَّانِي.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَأَنَّ مَرْوَانَ سَجَنَ الْعَبْدَ، وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَجَنَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا يَسْجُنُهُ لِتَتِمَّ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَيَكُونَ مَعْنَى أَرَادَ قَطْعَهُ أَنَّهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ إنْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاعْتَقَدَ هُوَ وُجُوبَ الْقَطْعِ وَلَكِنَّهُ سَجَنَهُ إلَى أَنْ يُشَاوِرَ فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَيَعْلَمَ مُوَافَقَتَهُمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُخَالَفَتَهُمْ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْآيَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَظَرٍ فَيُوقَفُ طَلَبًا أَوْ نَظَرًا أَوْ لِطَلَبِ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرِ مُخَالَفَةِ نَظَرِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَذَهَبَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا يَجِبُ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَبَ الْقَطْعُ اسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ رَفَعَهُ عَنْ عَبْدِهِ بِإِظْهَارِهِ إلَى مَرْوَانَ أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَجِدَ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْعُدُولِ عَنْ الْقَطْعِ فَأَخْبَرَهُ رَافِعٌ بِأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ وَهَذَا خَاصٌّ يَخْتَصُّ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْعَبْدِ سَأَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ مَعَهُ إلَى مَرْوَانَ وَيُعْلِمَهُ بِمَا عِنْدَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمَهُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ بِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ خِلَافِ مَا عِنْدَ رَافِعٍ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَعَهُ رَافِعٌ إلَى مَرْوَانَ قِيَامًا بِالْحَقِّ وَإِظْهَارًا لَهُ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ أَنْ يُنْفِذَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَلَمَّا عَلِمَ مَرْوَانُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ وَمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ، وَأَمَرَ بِهِ فَأُرْسِلَ يُرِيدُ إلَى صَاحِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَاقْطَعْ يَدَ غُلَامِي يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فِي الزِّنَا وَالْخَمْرِ، فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ إقَامَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ قَطْعُ عُضْوٍ أَوْ قَتْلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ إقَامَتُهُ إلَّا الْإِمَامَ فَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَسَبَبُ مَا دَعَاهُ إلَيْهِ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ هُوَ أَنَّهُ سَرَقَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَعْنَى السَّرِقَةِ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَلَمَّا اخْتَلَفَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ سَأَلَهُ عَمَّا سَرَقَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ لِتَقْدِيرِ النِّصَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَا تَوَصَّلَ إلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ لِمَا سُرِقَ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَةِ الْحِرْزِ الَّذِي مِنْهُ سَرَقَ فَأَجَابَهُ عَنْ النِّصَابِ بِأَنَّ قِيمَتَهُ سِتُّونَ دِرْهَمًا وَهِيَ أَمْثَالُ النِّصَابِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ مَا سَرَقَ هُوَ مِرْآةٌ وَالْمِرْآةُ مِمَّا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَثْمُونٍ كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ حَتَّى الْمَاءِ إذَا أُحْرِزَ لِوُضُوءٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا سَرَقَ مِنْهُ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْمِرْآةَ كَانَتْ لِامْرَأَتِهِ فَرَأَى عُمَرُ أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ كَانَ يَخْدُمُهُمْ وَيَدْخُلُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ مَتَاعُ امْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا مِمَّا يَحْتَاجُ أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ لَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهَا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَهُ مِنْ بَيْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الزَّوْجَةِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ إذَا سَرَقَهُ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ