(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ أَنَّهُمَا إذَا سُرِقَا مِنْ حِرْزِهِمَا وَغَلَقِهِمَا فَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا الْقَطْعُ، قَالَ وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَنْبُشُ الْقُبُورَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَا أَخْرَجَ مِنْ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا قَالَ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْقَبْرِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا سَرَقَ عَبْدُ الْخُمْسِ وَعَبْدُ الْفَيْءِ مِنْ الْفَيْءِ فَإِنَّهُمْ يُقْطَعُونَ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَأَطْلَقَ فِي الصَّبِيِّ أَنَّهُ مَنْ سَرَقَهُ مِنْ الْحِرْزِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: لَا يُقْطَعُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ سَرَقَ نَفْسًا مَضْمُونَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ كَالْبَهِيمَةِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْحُرَّ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا قَطْعَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ يُمَيِّزُ مِثْلَ هَذَا وَيَفْهَمُهُ وَيَمْنَعُ مِنْهُ قَالَ أَشْهَبُ وَمَنْ دَعَا الصَّبِيَّ فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ حِرْزِهِ فَمَضَى بِهِ قُطِعَ بِخِلَافِ الْأَعْجَمِيِّ يُرَاطِنُهُ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خُرُوجَ الْأَعْجَمِيِّ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ فَلَا قَصْدَ لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ بِعَلَفٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا لَوْ جَعَلَ مَنْ أَخْرَجَهَا لَهُ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَشَارَ بِلَحْمٍ عَلَى بَازٍ أَوْ إلَى صَبِيٍّ أَوْ أَعْجَمِيٍّ حَتَّى خَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُعْجِبُنَا، فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْأَعْجَمِيِّ عَائِدٌ إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَعْنَى الْحِرْزِ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ أَهْلِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَحْفَظُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ لَهُ فَمَنْ سَرَقَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ قُطِعَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ، فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ مِثْلُ الْأَسْوَدِ وَالصَّقَلِّيِّ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ وَلَا يَعْرِفُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الْمُسْتَعْرِبُ يُرِيدُ الَّذِي قَدْ عَرَفَ وَمَيَّزَ فَلَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ، وَرَوَى فِي الْمَزنِيَّةِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْصِحُ وَلَا يَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ، فَمَنْ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَلَوْ رَاطَنَهُ بِلِسَانِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَذَهَبَ لَمْ يُقْطَعْ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ النَّبَّاشَ يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٌ وَرَبِيعَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] وَهَذَا سَارِقٌ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ سَارِقُ مَوْتَانَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا، فَسَمَّتْهُ سَارِقًا فِي اللُّغَةِ وَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ سَارِقٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تَنَاوَلَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا يُرِيدُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ، وَالْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبَيْتَ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ وَمَعْنَى الْحِرْزِ مَا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ لَهُ وَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا وُضِعَ مِنْ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْقَبْرِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ فَإِذَا وَجَدُوا السَّرِقَةَ بَعْدُ فِي الْقَبْرِ لَمْ يُخْرِجْهَا فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ سَرِقَةً مِنْ حِرْزٍ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ فِيهَا وَلَا اسْتَحَقَّ بَعْدُ اسْمَ سَارِقٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَى بِالْمَتَاعِ خَارِجًا مِنْ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ إخْرَاجُ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزِهَا كَمَا لَوْ خَرَجَ وَأَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا ثُمَّ يَخْرُجَ فَيَأْخُذَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهَا فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.