(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ، وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَ جَلَدْنَا وَلَائِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ مُتَزَوِّجَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَيْنِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا إنْ لَمْ يَكُونَا تَزَوَّجَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ فَاجْلِدُوهَا» .
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيُجْلَدُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ بَقِيَّةٌ مِنْهُ نِصْفَ جَلْدِ الْحُرِّ فِي الزِّنَا خَمْسِينَ جَلْدَةً خِلَافًا لِمَنْ رَوَى عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُحْصَنَاتُ الْحَرَائِرُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْأَئِمَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلسَّادَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى عَبْدِهِ أَوْ عَلَى أَمَتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ إلَّا الْإِمَامُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ شَخْصٍ بِغَيْرِ قَرَابَةٍ وَلَا وِلَايَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ.
(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا ثَبَتَ زِنَا الْعَبْدِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِلْمِ السَّيِّدِ فَهَلْ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا جَوَازُ ذَلِكَ وَالْأُخْرَى مَنْعُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ الضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَسُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هَلْ تُبَاعُ بِبَلَدِهَا ذَلِكَ أَوْ تُغَرَّبُ فَقَالَ يَبِيعُهَا بِذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ، قَالَ وَكَانَ يُسْتَحَبُّ بَيْعُهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَا يُوجِبُهُ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ ذَلِكَ تَحْضِيضٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا مِنْ رَجْمٍ وَجَلْدٍ وَتُرَدُّ هِيَ إلَى أَهْلِ ذِمَّتِهَا وَدِينِهَا، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ إذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَيْشِ أَمِيرُ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ زَنَى فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَصْلُهُ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
(ش) : وَقَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ الْعَبْدَ الَّذِي اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ الرَّقِيقِ وَنَفَاهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ رَأْيَ مَنْ يَرَى النَّفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ بِالزِّنَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفَاهُ لِمَا اقْتَرَفَ مِنْ الزِّنَا وَمِنْ الِاسْتِكْرَاهِ وَلَا تَغْرِيبَ عَلَى عَبْدٍ عِنْدَ مَالِكٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِنَفَاهُ أَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ أَرْضِهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْعَبْدِ يَسْتَكْرِهُ الْحُرَّةَ يُحَدُّ وَيُبَاعُ بِغَيْرِ أَرْضِهَا لِتَبْعُدَ عَنْهَا مَعَرَّتُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الزِّنَا لَمْ يُسْتَقْصَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُهُ كَالرَّجْمِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِالِاسْتِكْرَاهِ لَهَا أَوْ تَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ تَدْمَى، وَأَمَّا لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ يُقِرُّ بِوَطْئِهَا فَقَالَتْ اُسْتُكْرِهْتُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَتُجْلَدُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا نَقْصُ الْأَمَةِ فَفِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الَّذِي اسْتَكْرَهَهَا، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ إنْ كَانَ بِفَوْرِ مَا فَعَلَ وَجَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ تَدْمَى، وَأَمَّا فِيمَا بَعُدَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَمَا كَانَ فِي جَسَدِهِ مِنْ حَدٍّ يُقَامُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ.