الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا عَمْدًا أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يُعْقَلُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ أَخْذَ الدِّيَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ لَيْسَ عَفْوُهُ عَنْ الدَّمِ عَفْوًا عَنْ الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يُرَى لِذَلِكَ وَجْهٌ مَعَ الْعَفْوِ، وَإِلَّا فَلَهُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ مَا عَفَوْتُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ تَرْكَ الدِّيَةِ، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ لِمَا قَالَ وَجْهٌ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الدَّمِ لَا يُنَافِي الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرِنَهُ بِهِ فَيَقُولُ عَفَوْت عَنْ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ لِمَنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ وَأَنْ يَقُولَ لَمْ أَعْفُ إلَّا عَلَى الدِّيَةِ، وَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْعَفْوَ عَنْ الدِّيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَفْوَ مَعْنَاهُ التَّرْكُ وَإِذَا أَطْلَقَهُ اقْتَضَى أَنْ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ كَانَ مَعَ الْبَنِينَ بَنَاتٌ وَمَعَ الْإِخْوَةِ أَخَوَاتٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا مَدْخَلَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ وَلَا لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَدْخُلُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ فِي الدَّمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الرِّجَالُ فِي دَرَجَتِهِنَّ فَيَجِيءُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ فِي وِلَايَةِ الدَّمِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَأَمَّا الْبَنَاتُ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ عَفْوُ أَحَدِ الْإِخْوَةِ يَجُوزُ عَلَى الْبَنَاتِ وَعَلَى بَاقِي الْإِخْوَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ عَفْوُ الْإِخْوَةِ إلَّا مَعَ عَفْوِ الْبَنَاتِ وَلَا عَفْوُ الْبَنَاتِ إلَّا مَعَ عَفْوِ الْإِخْوَةِ.
[الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ]
(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَإِنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يُعْقَلُ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوَدَ لَازِمٌ لَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَلَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْشِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْيِيرِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَضَرْبٌ فِيهِ الْقَوَدُ فَأَمَّا مَا لَا قَوَدَ فِيهِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ لَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَقِسْمٌ يَمْتَنِعُ الْقَوَدُ فِيهِ لِمَا الْغَالِبُ مِنْهُ التَّلَفُ فَأَمَّا مَا لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَكَاللَّطْمَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِيهَا وَفِيهَا الْعُقُوبَةُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا فِي الضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ جُرْحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَدُّ تِلْكَ الضَّرْبِ، وَهُوَ مِنْ النَّاسِ مُخْتَلِفٌ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ ذُو الْفَضْلِ وَالْمُرُوءَةِ وَالشَّرَفِ كَالدَّنِيءِ وَالْوَضِيعِ وَالصَّبِيِّ وَلَا الْقَوِيُّ كَالضَّعِيفِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ يُقَادُ مِنْ الضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ اخْتِلَافِ حَالِ الضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ فِي الْقُوَّةِ، وَقَدْ عَرَضَتْ دُونَ أَثَرٍ فَتَعَذَّرَ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ نَتَفَ لِحْيَةَ رَجُلٍ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ فَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الْعُقُوبَةُ وَالسَّجْنُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ الْأَدَبُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَفِي الشَّارِبِ وَأَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ لَيْسَ لَهَا أَثَرُ جُرْحٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا الْقِصَاصُ كَاللَّطْمَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ أَتْلَفَتْ شَيْئًا مِنْ الْجَسَدِ فِيهِ جَمَالٌ، فَكَانَ فِيهَا الْقِصَاصُ كَقَطْعِ الْأَنْفِ.
(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا فِيهَا الْقِصَاصُ كَقَطْعِ الْأَنْفِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَعْرِفُ لِأَصْبَغَ فِيهَا أَحْسِبُ أَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا الْوَزْنُ، وَعَابَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللِّحَى بِالْعِظَمِ، وَلَوْ أَقَادَ جَمِيعَ اللِّحْيَةِ بِجَمِيعِ اللِّحْيَةِ لَكَانَ ذَلِكَ صَوَابًا فَأَمَّا إذَا نَتَفَ الْبَعْضَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا يَرَى الْإِمَامُ مِنْ الْعُقُوبَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ