(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَصَابِعِ الْكَفِّ إذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسَ الْأَصَابِعِ إذَا قُطِعَتْ كَانَ عَقْلُهَا عَقْلَ الْكَفِّ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ، وَحِسَابُ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَثُلُثُ دِينَارٍ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ، وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ وَثُلُثُ فَرِيضَةٍ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ بَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ رَبِيعَةَ حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا اعْتِرَاضٌ عَلَى فَتْوَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَّا أَنْ يَتَقَصَّى بِأَرْشِ الْمُوضِحَةِ أُوضِحَ فِي جَانِبِ رَأْسِهِ مُوضِحَةً صَغِيرَةً، وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِثْلُهَا لَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِذَا أُوضِحَ مِثْلَ تَيْنِكَ الْمُوضِحَتَيْنِ، وَوَصَلَ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُمَا لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَكَمَا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ نَقَصَ مَا يَأْخُذُ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ هَذَا، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؛ بِمَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِ حُجَّتِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَوْصُوفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ دَرَجَتِهِمْ وَالْبَحْثِ عَنْ الْمَسَائِلِ وَالتَّنْقِيرِ عَنْهَا وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بِالْحُجَجِ الضَّعِيفَةِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأُصُولِ مَا كَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ تَفْرِيعُهُمْ وَاعْتِرَاضُهُمْ مُتَعَلِّقًا بِرَأْيٍ لَا يَسْتَنِدُ إلَى أُصُولٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ تَقْصِيرُهُمْ فِيهِ عَنْ دَرَجَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا تَعَرِّيهِمْ مِنْهُ وَخُلُوِّهِمْ مِنْ نَيْلِ دَرَجَةِ الْإِمَامَةِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ رَبِيعَةَ بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتَرِضَ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ الَّذِي ظَنَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَرِضُ اعْتِرَاضَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ عَلِمَ الْمَسْأَلَةَ إلَّا أَنَّهُ يَعْتَرِضُهُ فِيهَا شُبْهَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُثَبِّتَ مَا عَلِمَ بِإِزَالَةِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ أَوْ سُؤَالُ جَاهِلٍ يُرِيدُ التَّعَلُّمَ فَسَأَلَ عَنْهَا فَلَمَّا عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ اعْتَرَضَتْهُ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْرَدَهَا فَأَرَادَ إزَالَةَ مَا فِي نَفْسِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّهَا السُّنَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ قَرَّرَتْ فِي الشَّرْعِ أَنْ تَعْظُمَ الْمُصِيبَةُ، وَيَقِلَّ الْأَرْشُ فَلَا تُنْكِرُهُ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَهُ أَوْ أَمْثَالُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ فِي الْأَصَابِعِ إذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا يُرِيدُ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا فَفِيهَا خَمْسُونَ، وَذَلِكَ عَقْلُ الْيَدِ سَوَاءٌ قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ، وَقُطِعَتْ الْكَفُّ أَوْ الْيَدُ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ إذَا قُطِعَتْ أَصَابِعُ الْكَفِّ تَمَّ عَقْلُهَا خَمْسُمِائَةٍ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ أَوْ الْمَنْكِبِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ رِجْلُهُ مِنْ الْوَرِكِ فِيهَا مِثْلُ مَا فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَلَوْ قُطِعَ فَأَشَلَّ سَاعِدَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَةُ الْكَفِّ، وَهُوَ مِنْ الذَّهَبِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِائَةُ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ أُصْبُعٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَحِسَابُ الْأَصَابِعُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَفِي الْأُصْبُعِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ فِي كُلّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْمِائَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ الْإِبْهَامَانِ فِيهِمَا أُنْمُلَتَانِ فَإِذَا قُطِعَتَا فَفِيهِمَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ، وَإِبْهَامُ الرَّجُلِ مِثْلُهَا قَالَ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَةُ أَنَامِلَ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ قَالَ وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَأَخَذَ أَصْحَابُهُ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَشْهَبُ قَالَ لَوْ لَزِمَ فِي بَقِيَّةِ الْإِبْهَامِ الَّذِي فِي الْكَفِّ دِيَةٌ لَلَزِمَ فِي سَائِرِ الْأَصَابِعِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ دِيَةُ أُنْمُلَةٍ رَابِعَةٍ وَهَذَا خِلَافُ الْأَمَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أُصْبُعٌ فَكَانَتْ أَنَامِلُهَا ثَلَاثًا أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْأَصَابِعِ.