(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ وَاَلَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ وَإِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِيَ وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمُ فَهَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِمُدَّعِي الدَّمِ عَلَى مَنْ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عِنْدَنَا إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَاَلَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ أَنَّ الْمُبْدِئِينَ بِالْقَسَامَةِ أَهْلُ الدَّمِ وَاَلَّذِينَ يَدَّعُونَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَارِثِيَّيْنِ فِي صَاحِبِهِمْ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُحْبَسُونَ عَامًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُمْ لَا بِمَعْنَى لَا نَحْلِفُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنَزُّهًا عَنْ الْأَيْمَانِ مَعَ تَيَقُّنِهِمْ قَتْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعًا مِنْ الْأَيْمَانِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا وَلَا تَيَقَّنُوا مُقْتَضَاهَا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ قَالُوا لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ وَهَذَا ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَقَعْ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهِ فَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ صِحَّةُ امْتِنَاعِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ دُونَ الْعِلْمِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُنَالُ بِالْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ كَمَا أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا أَخْبَرَهُ شَاهِدَانِ بِتَرِكَةِ أَبِيهِ جَازَ لَهُ تَصْدِيقُهُمَا، ثُمَّ يَدَّعِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فَقَدْ قَامَتْ السُّنَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ الْأَيْمَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ بِمَا ثَبَتَ مِنْ لَطْخِهِمْ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ رَدِّ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ حِينَ نُكُولِ الْمُدَّعِينَ وَهِيَ السُّنَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ أَقْسَمُوا بَرِئُوا وَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَارِثِيَّيْنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَقَلَهَا عِنْدَ نُكُولِهِمْ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ» وَهُوَ حَدِيثٌ مَقْطُوعٌ وَمَا رَوَاهُ مُسْنَدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي إحْدَى الْجَنْبَتَيْنِ وَاللَّوْثُ وَهُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ قَدْ قَوَّى جِهَةَ الْمُدَّعِينَ فَثَبَتَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَنْبَتِهِمْ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ عَدَاوَتِهِمْ وَاسْتِبَاحَتِهِمْ قَتْلَهُمْ وَرِضَاهُمْ بِالْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْحُقُوقِ وَأَنَّ أَيْمَانَ الْكُفَّارِ لَا تُبْرِئُهُمْ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ، أَوْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ فِيهِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَلَكِنَّهُ عَدَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ تَفَضَّلَ عَلَى الْحَارِثِيَّيْنِ وَأَعْطَاهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دِيَةَ قَتِيلِهِمْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي الْحُكْمِ شَيْءٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ سَهْلٍ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ تَبْيِينِهِ لِلْحَدِيثِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِلْكَثِيرِ مِنْهُ وَذَلِكَ لِمَا جَرَى فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُذْكَرُ بِهَا أَمْرُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ تَحْدِيدٌ لِلْأَيْمَانِ وَحَصْرُهَا بِعَدَدٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْقَسَامَةِ بِهِ.
(ش) : قَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ وَيَسْتَحِقُّوا مَا يُوجِبُ أَيْمَانَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ إذَا أَتَوْا بِلَوْثٍ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ