عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ فِيهِ إلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيْ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ إنَّمَا كَانَتْ جِنَايَةً مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَبْدُ بِاَلَّذِي يَبْطُلُ مَا صَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ مَعَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ بِيعَ مِنْ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ عَقْلِ الْجُرْحِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبْدَأُ بِالْعَقْلِ الَّذِي كَانَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا هَلَكَ وَتَرَكَ عَبْدًا مُدَبَّرًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ وَكَانَ الْعَبَدُ قَدْ شَجَّ رَجُلًا حُرًّا مُوضِحَةً عَقْلُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا، أَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي فِي عَقْلِ الشَّجَّةِ فَتُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَقْلُ أَوْجَبُ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ، وَدَيْنُ سَيِّدِهِ أَوْجَبُ مِنْ التَّدْبِيرِ الَّذِي إنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ شَيْءٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ لَمْ يُقْضَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ عَتَقَ وَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْلُ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا جَرَحَ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ يُرِيدُ وَلَا دَيْنٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُعْتَقِ مِنْهُ ثُلُثُ الْعَقْلِ وَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِيمَا رَقَّ مِنْهُ وَهُوَ ثُلُثَاهُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكُّوا ثُلُثَيْ الْعَقْلِ أَوْ يُسَلِّمُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَبْدِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ إلَّا خِدْمَتَهُ فَتَعَلَّقَتْ بِذَلِكَ الْجِنَايَةُ وَبَعُدَ سَيِّدُهُ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ عَتَقَ ثُلُثُهُ فَثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا دِيَةٌ تَعَلَّقَتْ بِجُزْءٍ فَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ وَإِذَا اسْتَرَقَّ ثُلُثَاهُ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِالثُّلُثَيْنِ تَعَلُّقَهَا بِالْعَبْدِ فَصَارَ الثُّلُثُ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَلِلثُّلُثَيْنِ حُكْمُ الْعَبْدِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ بِيعَ مِنْهُ لِلْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِتْقِ الثُّلُثِ وَتَخْيِيرِ الْوَرَثَةِ فِي تَسْلِيمِ الثُّلُثَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَى سَيِّدِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ لِلدَّيْنِ وَإِذَا بِيعَ لِلدَّيْنِ وَالْجِنَايَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُبَاعَ لَهَا، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبَاعَ الْمُدَبَّرُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدَّيْنَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالْوَصِيَّةِ فَاخْتُصَّ بِالثُّلُثِ فَكَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَأْثِيرُ الدَّيْنِ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ الْجِنَايَةِ لَمَّا اخْتَصَّ الدَّيْنُ بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ دُونَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ غَيْرَ جِهَةِ السَّيِّدِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ الْعَبْدِ وَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَتَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ تَارَةً وَتَارَةً بِذِمَّتِهِ وَتَارَةً بِخِدْمَتِهِ فَكَانَ لِلدَّيْنِ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي وُجُوبِ الْبَيْعِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْجِنَايَةِ وَلَا غَيْرَهَا فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَبِيعَ لِلْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ غَرِمَ الدِّينَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِتِلْكَ الْعَيْنِ فَإِذَا اقْتَضَيَا جَمِيعًا