(ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَى كَلَامِهِ فَإِذَا سَأَلَهُ عَنْ أَمْرٍ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُفْتَاتٍ عَلَيْهِ وَلَا مُعْرِضٍ عَنْهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا أَنْ يَتَكَلَّمَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَا يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيَسْأَلُ بِسَبَبِهِ وَيُجَابُ عَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَبْلِيغُهُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَإِعْلَامُهُمْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ بِالتَّكَلُّمِ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْخُطْبَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ الْمُخَاطِبُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا بِذَلِكَ انْقَلَبْتُ مِنْ السُّوقِ فَسَمِعْت النِّدَاءَ إظْهَارٌ مِنْهُ لِعُذْرِهِ الْمُبَاحِ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِيمُ لِعَقْدِ بَيْعٍ أَوْ شُغُلٍ إلَى وَقْتِ النِّدَاءِ وَفِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى حِينِ وَقْتِ النِّدَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة: 9] وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَرْكُهُ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْعَمَلِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى وَقْتِ الْأَذَانِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَ الْعَمَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى نَحْوِ تَعْظِيمِ الْيَهُودِ لِلسَّبْتِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحَدِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت اعْتِذَارٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِ الْفَرْضِ مُبَادَرَةً إلَى سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالذِّكْرِ وَقَوْلُ عُمَرَ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ مَعْنَاهُ أَنَّك مَعَ مَا فَاتَكَ مِنْ التَّهْجِيرِ فَاتَتْك فَضِيلَةُ الْغُسْلِ الَّذِي قَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِهِ تَذْكِيرًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضًّا لَهُ عَلَى أَنْ لَا يَفُوتَهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ مِنْ فَضِيلَةِ مَا فَاتَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا أَنَّ عُمَرَ رَأَى اشْتِغَالَهُ بَعْدُ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ خُرُوجِهِ إلَى فَضِيلَةِ الْغُسْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ قُعُودَهُ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا مَضَى مِنْ تَرْكِهِ الْغُسْلَ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يَعْصِي تَارِكُهُ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِحُكْمِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ لَسَارَعَ إلَى الْإِنْكَارِ عَلَى عُثْمَانَ وَالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ إلَى الِاغْتِسَالِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرِ دَاوُد فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَذْكُورُ فَهُوَ إجْمَاعٌ يَجِبُ الْتِزَامُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ.
ش: مَعْنَى الْوُجُوبِ تَأَكُّدُ لُزُومِهِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى مَعْنَى تَأْكِيدِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَيُقَالُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَيُكْثِرَ النَّوَافِلَ الْمُوَصِّلَةَ لَهُ إلَى رِضَاهُ.
وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ سُلَيْمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَ» قَالَ عُمَرُ فَأَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وُجُوبُ الِاسْتِنَانِ وَالطِّيبِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَأَكُّدُ حُكْمِهِ دُونَ إيجَابِهِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ بِمَعْنَى مَنْ يَلْزَمُهُ لِحَقِّهِ فَيُقَالُ يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَتَرَفَّقَ طَرِيقَهُ وَلَا يَصْحَبَ إلَّا مَنْ يَأْمَنُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الْحَدِيثِ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَعَ الْوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى مَعْنَى تَأْكِيدِ النَّدْبِ إلَيْهِ وَالثَّانِي وُجُوبُهُ لِمَا يَخُصُّ الْإِنْسَانَ وَيَلْزَمُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ مِنْ التَّجَمُّلِ بَيْنَ أَتْرَابِهِ وَجِيرَانِهِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ تَجَمُّلِهِمْ وَأَخْذِهِ بِالْحَظِّ