(ص) : (قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ وَلِمِثْلِهِ إجَارَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ إنْ أُصِيبَ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ سَلِمَ الْعَبْدُ فَطَلَبَ سَيِّدُهُ إجَارَتَهُ لِمَا عَمِلَ فَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ الْعَالِمَ قَدْ يَأْثَمُ فِي الْخَطَأِ إذَا لَمْ يَجْتَهِدْ وَيَحْذَرْ مُوَاقَعَةَ النَّارِ بِإِغْفَالِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِخْبَارَ عَنْ فَتْوَى الْجَاهِلِ؛ وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ الْمُتَطَبِّبِ وَهُوَ الْمُتَسَوِّرُ الْمُتَخَرِّصُ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَرْجَعَهُمَا وَأَعَادَ النَّظَرَ فِي أَمْرِهِمَا مُبَالَغَةً فِي الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ يَقُولُ مُتَطَبِّبٌ وَاَللَّهِ يَصِفُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِشْفَاقِ وَالْخَوْفِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ مَا يُرْضِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِيمَا لِمِثْلِهِ إجَارَةٌ فِي الْمُعْتَادِ وَالْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ هَلَاكٍ، أَوْ نَقْصٍ فِي بَدَنٍ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَيْسَ فِي الْعَبِيدِ يُسْتَأْجَرُونَ ضَمَانُ مَا أَصَابَهُمْ، وَإِنْ قَالَ سَادَاتُهُمْ لَمْ نَأْمُرْهُمْ بِالْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلُوا فِي أَمْرٍ مَخُوفٍ كَالْبِئْرِ الْحَمِئَةِ وَالْهَدْمِ تَحْتَ جِدَارٍ فَيُضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ مُتَعَدٍّ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَعَدِّي إنْ لَمْ يَثْبُتْ إذْنُ السَّيِّدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا كَمَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى دَابَّتِهِ فَرَكِبَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ وَيَعْقِدُ وَلَا يَعْرِفُ حَجْرَ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ وَهَلْ هُوَ مَمْلُوكٌ فَلَا يُضْمَنُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ فِي الْأُمُورِ الْخَطِرَةِ الَّتِي فِيهَا الْهَلَاكُ غَالِبًا قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَأَبَانَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ فَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُخَالِفُ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يَقْتَضِي تَضْمِينَ الْمُسْتَعْمَلِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ مَبْنِيَّةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ تَصَرُّفِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى الْإِذْنِ مِنْ سَيِّدِهِ فِي الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي عَمَلٍ بِعِوَضٍ وَأَمَّا الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ يَضْمَنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَدِّي مِمَّنْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَاسْتُؤْجِرَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ الْخَيَّاطِ وَالنَّجَّارِ يَسْتَأْجِرُهُ رَجُلٌ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ يَحْمِلُ لَهُ شَيْئًا، أَوْ يَنْقُلُ لَهُ لَبَنًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُرْسِلُ إلَيْهِ سَيِّدُهُ لِيَبْنِيَ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ فَيُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ فِي عَمَلٍ لَهُ خَطَرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، أَوْ يُرْسِلُهُ فِي سَفَرٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَسْفَارِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ بِأَجْرٍ فَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مَخُوفٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْغَرَرِ وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ الْمَأْمُونِ يُرِيدُ الْمُعْتَادَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي عَمَلٍ مُعْتَادٍ لَهُ إجَارَةٌ فَهَذَا فِي ضَمَانِ الْعَبْدِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي عَمَلٍ مُعْتَادٍ لَا أَجْرٌ لَهُ كَمُنَاوَلَتِهِ الْقَدَحَ وَالنَّعْلَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ قَالَهُ رَبِيعَةُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَا أُجْرَةَ فِيهِ مَعَ السَّلَامَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ مَعَ التَّلَفِ.
(فَرْعٌ) وَمَا وَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ فَإِنَّ السَّيِّدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، أَوْ قِيمَةَ عَمَلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى عَلَى الرَّقَبَةِ وَاسْتَوْفَى الْعَمَلَ وَضَمَانُهُمَا مُتَنَافٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ أَيَّهمَا شَاءَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا