الْعَمَلُ فِي السَّهْوِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبِسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِبَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَالَ صَدَقَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ كَمُلَتْ الصَّدَقَةُ وَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى ذِكْرِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالْهِبَةُ تَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَوْ عَرَفُوا ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَلْزَمَ ذَلِكَ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ.
[الْعَمَلُ فِي السَّهْوِ]
(ش) : لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَعْمَلُ عِنْدَ شَكِّهِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى يَقِينِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيَكُونَ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ الْمُفَسِّرِ أَوْلَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إلَى أَنَّ هَذَا فِي الْمُسْتَنْكِحِ وَقَالَ إنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْيَقِينُ لَوَجَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخِلَّ فِيهِ بِبَعْضِ الْمَقْصُودِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ فِيمَا يَرْعَاهُ مِنْ الِاسْتِنْكَاحِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ فَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَنْكِحَ لَوَجَبَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَهُ وَلَكِنَّهُ حَفِظَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ وَنَسِيَهُ بَعْضُهُمْ فَيُؤْخَذُ بِرِوَايَةِ مَنْ حَفِظَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كُلِّ سَاهٍ وَأَنَّ حُكْمَهُ السُّجُودُ وَيَرْجِعُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُصَلِّي فِيمَا شَكَّ فِيهِ وَفِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُفَسِّرَةِ.
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنِّي لَأَنْسَى أَوْ أَنْسَى لِأَسُنَّ» ) .
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي لَأَنْسَى أَوْ أَنْسَى لِأَسُنَّ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْسَى أَنَا أَوْ يُنْسِينِي اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى بَيَانٍ لِأَنَّهُ أَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ أَنْسَاهُ أَيْضًا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَأَنْسَى فِي الْيَقِظَةِ أَوْ أَنْسَى فِي النَّوْمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَإِنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى النِّسْيَانِ فَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي الْيَقَظَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهَا حَالُ التَّحَرُّزِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي النَّوْمِ إلَى غَيْرِهِ أَمَّا لِأَنَّهَا كَانَتْ حَالًا يُمْكِنُ فِيهَا التَّحَرُّزُ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي حَالِ الْيَقِظَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُرِيدُ إنِّي لَأَنْسَى عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ النِّسْيَانِ مَعَ السَّهْوِ وَالذُّهُولِ عَنْ الْأَمْرِ أَوْ أَنْسَى مَعَ تَذَكُّرِ الْأَمْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَايَيْنِ إلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَهُ بَعْضُ السَّبَبِ فِيهِ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ الْآخَرَ إلَى غَيْرِهِ لَمَّا كَانَ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ» فَنَفَى أَنْ يُضِيفَ الْإِنْسَانُ النِّسْيَانَ هَاهُنَا إلَى نَفْسِهِ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ يُنْسَخُ مِنْ الْقُرْآنِ بِالنِّسْيَانِ يَنْسَاهُ جَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَبْقَى فِي حِفْظِ أَحَدٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَسْخَهُ لَهُ وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ النِّسْيَانُ الْمُعْتَادُ مِنْ السَّهْوِ الْمُعْتَادِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ لِأُسِنَّ يُرِيدُ لِأَرْسُمَ لَكُمْ النِّسْيَانَ وَالسَّهْوَ وَمَا يُتَلَقَّى بِهِ مِنْ إفْسَادِ الْعِبَادَةِ أَوْ إدْخَالِ