(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الضَّعِيفَ فِي عَقْلِهِ وَالسَّفِيهَ وَالْمُصَابَ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانَا تَجُوزُ وَصَايَاهُمْ إذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ مَا يُوصُونَ بِهِ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ عَقْلِهِ مَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ مَا يُوصَى بِهِ وَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ) .
الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ لَا تَتَعَدَّى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فَقُلْت فَالشَّطْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي لَا يَرِثُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فِي مَالِهِ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ غَيْرِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَطَلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا يُوصَى بِهِ فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ تَجْوِيزُ وَصِيَّتِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ مَعَ وُجُودِ الْقَرَابَةِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ: إنَّ فِعْلَ ذَلِكَ رَدَّتْ وَصِيَّتُهُ إلَى قَرَابَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ بِثُلُثِهِ رُدَّ إلَى قَرَابَتِهِ مِنْ ذَلِكَ ثُلُثَا الثُّلُثِ وَيُنْفِذُ الثُّلُثَ لِلْمُوصَى لَهُمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَرَضِينَ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَقَوْلُهُ فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى مَعْنَى الْأَخْبَارِ عَنْ تَجْوِيزِ وَصِيَّتِهِ بِكَثِيرِ الْمَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِقَلِيلِهِ وَأَنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ بِالتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقِ لِلْأَعْيَانِ وَلَا تَخْتَصُّ بِالتَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَأَنَّ ابْنَةَ عَمِّهِ الْمُوصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَةِ وَمُرَاعَاةُ الرَّاوِي الَّذِي هُوَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ لَهَا لِتَعَلُّقِهَا بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الصَّغِيرِ تَجُوزُ لِلْغَنِيِّ إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْغِنَى وَغَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي جُمْلَةِ الْفُقَرَاءِ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الضَّعِيفِ فِي عَقْلِهِ يُرِيدُ الضَّعِيفَ الْعَقْلَ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَلِي أَمْرَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُمَيِّزُ وَيَفْهَمُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الَّذِي وَصَفْنَاهُ بِضَعْفِ الْعَقْلِ وَأَمَّا السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الَّذِي يُتْلِفُ مَالَهُ فِي وُجُوهِ السَّفَهِ، أَوْ يَشْتَغِلُ عَنْ تَثْمِيرِهِ وَحِفْظِهِ بِالْبَطَالَةِ، وَأَمَّا الْمُصَابُ فَهُوَ الَّذِي أُصِيبَ بِعَقْلِهِ أَمَّا بِصَرْعٍ، أَوْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ حِينَ إفَاقَتِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا أَدَانَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ كَالْحَيِّ إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ: وَإِنْ كَانَ سَمَّى ذَلِكَ النَّقْصَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ فِي ثُلُثِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى وَرَثَتِهِ فَإِذَا أَوْصَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ مَبْدَأٌ عَلَى وَصَايَاهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا تَدْبِيرُ السَّفِيهِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ دَبَّرَ السَّفِيهُ خَادِمًا كَثِيرَةَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ تَدْبِيرُهُ وَيَجُوزُ فِي قَلِيلَةِ الثَّمَنِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ تَدْبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ تَدْبِيرُ عَبْدِهِ فِي الْمَرَضِ فَإِذَا صَحَّ بَطَلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَتَدْبِيرُهُ وَمَا لَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ وَعَدَمِ رُشْدِهِ، وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ فَإِذَا دَبَّرَ فِي مَرَضِهِ رُوعِيَ أَمْرُهُ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَحُكْمُ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَاحِدٌ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَفَاقَ بَطَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ.