لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ أَرَاك تُجِيعُهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك فَقَالَ الْمُزَنِيّ كُنْت وَاَللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ وَلَكِنْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ، أَوْ الدَّابَّةَ يَوْمَ يَأْخُذُهَا)

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْعَبِيدِ مَعَ دَعْوَى الْمُزَنِيّ، أَوْ بِدَعْوَى الْمُزَنِيّ فِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ حَاطِبٍ وَطَلَبِهِ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَنَكَلَ حَاطِبٌ وَحَلَفَ الْمُزَنِيّ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ نُكُولِ حَاطِبٍ وَحَلَفَ الْمُزَنِيّ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي عَبْدٍ انْتَحَرَ حِمَارًا، وَقَالَ خِفْت أَنْ أَمُوتَ جُوعًا لَا يُقْطَعُ وَيُغَرَّمُ سَيِّدُهُ ثَمَنَ الْحِمَارِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّ السَّيِّدَ كَانَ يُجِيعُهُ فَيَغْرَمُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ، وَإِنَّمَا غَرَّمَ عُمَرُ حَاطِبًا وَتَرَكَ قَطْعَ عَبِيدِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُجِيعُهُمْ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقِيمَةِ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ بِقَطْعِ أَيْدِيهِمْ فَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْمَوَّازِ انْصَرَفَ عَنْهُ إلَى التَّقْوِيمِ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ يُجِيعُهُمْ وَعَلَى رَأْيِ أَصْبَغَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّهُ كَانَ لِلْعَبِيدِ مَالٌ فَوَقَعَ الْغُرْمُ مِنْهُ، وَقَالَ لِحَاطِبٍ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ عَبِيدِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ جَمِيعُهُ أَوْ الْكَثِيرُ مِنْهُ فَبِهِ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى السَّعْيِ وَالتَّكَسُّبِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْعَبِيدِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْ إقْرَارِ الْعَبِيدِ إلَّا مَا يَنْصَرِفُ إلَى جَسَدِهِ فَأَمَّا مَا يَلْزَمُ سَيِّدَهُ بِهِ أَمْرٌ فَلَا، فَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيُعَرَّى فِي الْقَضِيَّةِ مِمَّا يُقَوِّيهَا، وَأَمَّا إذَا اُقْتُرِنَ بِالْقَضِيَّةِ مَا يَشْهَدُ لَهَا مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ سَيِّدِهِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي عَبْدٍ أَصَابَ صَبِيًّا بِمُوضِحَةٍ فَأَتَى مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِهِ وَيَأْتِي مَكَانَهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَلْيُقْبَلْ مِنْهُ فَأَمَّا بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ كُنْت فَعَلْته فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي عَبِيدٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَهُمْ شَاتَانِ مَذْبُوحَتَانِ يَعْرِفَانِ لِجَارِهِمْ فَأَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ، وَجَحَدَ الثَّالِثُ إنَّ غُرْمَ ذَلِكَ عَلَى سَادَتِهِمْ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أُغْرِمَ حَاطِبًا لَمَّا وُجِدَتْ النَّاقَةُ بَيْنَ أَيْدِي الْعَبِيدِ وَعُرِفَ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْمُزَنِيِّ الطَّالِبِ لَهَا وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ قَالَ عِيسَى فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ سَرَقُوهَا مِنْ حِرْزِهَا وَلَمْ يَسْرِقُوهَا مِنْ الْمَرْعَى وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْحِرْزِ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَرَاك تُجِيعُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبِيدُ قَدْ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ وَاعْتَذَرُوا بِهِ لِسَرِقَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى فِيهِمْ مِنْ الضَّعْفِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ إجَاعَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ لَا يُجِيعَ رَقِيقَهُ بَلْ يُشْبِعَهُمْ الْوَسَطَ أَوْ يَبِيعَهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك يُرِيدُ بِهِ الْغُرْمَ الْكَثِيرَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ حَاطِبًا يَتَوَجَّعُ لَهُ مَعَ كَثْرَةِ مَالِهِ وَلَعَلَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ وَالتَّعْزِيرِ لِحَاطِبٍ عَلَى إجَاعَتِهِ لِرَقِيقِهِ وَإِحْوَاجِهِ لَهُمْ إلَى السَّرِقَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَسَبَبَ إتْلَافِ نَاقَةِ الْمُزَنِيّ فَرَأَى أَنْ يُغَرِّمَهُ إيَّاهَا وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ كَرَّرَ نَهْيَهُ إيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَدَّ لَهُ فِي قُوتِهِمْ حَدًّا لَمْ يَمْتَثِلْهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اتَّخَذَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015