(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الضَّحَّاكِ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنْ الْعَرِيضِ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ لِمَ تَمْنَعُنِي وَهُوَ لَك مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّك؟ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاك مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَك نَافِعٌ تَسْقِي بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّك؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاَللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَذِنَ فِيمَا لَهُ مَنْعُهُ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ بِالْعَمَلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي عَمَلٍ يَلْزَمُهُ بِهِ التَّمَوُّنُ وَالنَّفَقَةُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ اشْتَرِ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَأَنَا أُسَلِّفُك ثَمَنَهَا.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا بَنَى ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا إنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ مَا أَنْفَقَ.
وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا وَاخْتَارَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كُتُبِهِ لَهُ إخْرَاجُهُ وَيَأْمُرُهُ بِقَلْعِ بُنْيَانِهِ، أَوْ يُعْطِيه قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي مَنْفَعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَمَوَّنَ وَأَنْفَقَ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ إذْنُهُ سَبَبًا لِإِتْلَافِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لِمَا اقْتَرَنَ بِالْوَعْدِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِلْآذِنِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ وَالْمُعَارُ مُفَرِّطٌ حَيْثُ لَمْ يَتَوَثَّقْ بِضَرْبِ الْأَجَلِ وَبِهَذَا احْتَجَّ أَشْهَبُ.
(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إخْرَاجُهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ حَقُّهُ فَفِي نَوَادِرِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ قَالَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا دَفَعَ مَا أَنْفَقَ، وَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي كِتَابِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ كِنَانَةَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ بُنْيَانِهِ قَائِمًا وَنَحْوَهُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِهِ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي يُمَوِّنُهُ لِسَبَبِ إذْنِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ إخْرَاجَهُ عَدَمُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ قِيمَةَ نَفَقَتِهِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ تَبْذِيرًا وَخَطَأً فَلَمْ يَجِدْهُ عَلَيْهِ إذْنُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ الْبُنْيَانَ قَدْ مَلَكَهُ بِتَمَامِهِ بِالنَّفَقَةِ وَالتَّمَوُّنِ وَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ فَعَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ بِقُرْبِ تَمَامِ بُنْيَانِهِ فَمَتَى يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اسْتَكْمَلَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ بُنِيَ لِيَسْكُنَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِطُولِهَا وَرَوَى عَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ إذَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يُعَارُ إلَى مِثْلِهِ فَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ بَانٍ وَغَارِسٍ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِإِذْنِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَمْنَعُوهُ فَلَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ قَائِمًا كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَقْتَضِي تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا تَقْتَضِي الْإِرْفَاقَ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ مُقَدَّرَةً بِالْأَجَلِ رَجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُمَا بِإِبْطَالِ مَا بَنَيَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمَا قِيمَتَهُ قَائِمًا كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ قَالَ؛ لِأَنَّك قَدْ أَوْجَبْت ذَلِكَ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَزِمَ لِمَا تَقَرَّرَ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ أُسَلِّفُك، أَوْ أَرْهَنُك وَلَمْ يُقَرِّرْ السَّلَفَ وَلَا الْهِبَةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَدَّرَهَا لَلَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ، أَوْ عَمَلٍ فِيهِ نَفَقَةٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ هَكَذَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابِي فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَفِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْمُوَطِّئَاتِ، وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ سَأَلْت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْغَنِيِّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي: كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ خَشَبُهُ عَلَى الْجَمْعِ غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ خَشَبَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.