. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ مَا تَسَلَّفَ مِنْهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا تَسَلَّفَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ اسْتَوْدَعَهَا مَصْرُورَةً فَحَلَّ صِرَارَهَا ثُمَّ تَسَلَّفَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَ جَمِيعَهَا تَلِفَتْ بَعْدَ أَنْ رَدَّ فِيهَا مَا تَسَلَّفَ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَّهَا وَلَمْ يَتَسَلَّفْ مِنْهَا وَلَوْ أَوْدَعَهَا مَنْثُورَةً لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا تَسَلَّفَ مِنْهَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَرَدَّهُ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُنْفِقُ مِنْ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرُدُّ مَا أَنْفَقَ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْثُورَةً أَوْ مَصْرُورَةً وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا لَا يَبْرَأُ، وَإِنْ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ وَبِهَذَا أَخَذَ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ وَلَمْ يَأْخُذُوا بِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إذَا اسْتَوْدَعَهَا مَصْرُورَةً فَحَلَّ صِرَارَهَا ثُمَّ تَلِفَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ الرَّدِّ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اسْتَوْدَعَهَا مَنْثُورَةً ثُمَّ رَدَّ مَا تَسَلَّفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَحَكَى ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاحْتَجَّ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ تَعَدِّيهِ بِالْأَخْذِ فَإِذَا رَدَّ مَا أَخَذَ فَقَدْ زَالَ التَّعَدِّي وَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ قَالَ؛ وَلِأَنَّهُ حَافِظٌ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْأَمَانَةِ بِأَخْذِهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَرَدُّهُ إيَّاهَا لَا يُزِيلُ عَنْهُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهَا.
(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالرَّدِّ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالْعَسَلِ، وَكُلِّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، وَأَمَّا فِيمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ رَدَّ مِثْلَ الثِّيَابِ فِي الصِّفَةِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ لَمْ يُبْرِئْهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَقَدْ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَكَانَهَا ثَوْبًا.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَبْرَأُ بِرَدِّ الْمِثْلِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّ الْمِثْلِ بَرِئَ، وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى أَمَانَتِهِ كَادِّعَائِهِ التَّلَفَ وَالثَّانِيَةُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَا تَسَلَّفَ قَدْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَى مَا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنْ رَدَّهُ بِبَيِّنَةٍ بَرِئَ، وَإِلَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ تَسَلَّفَهَا بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ تَسَلَّفَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ تَلِفَتْ وَلَمْ آخُذْ مِنْهَا شَيْئًا لَصُدِّقَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ بِنَفْيِ الْيَمِينِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَنُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُصَدَّقْ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا تَسَلَّفَ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَقِيلَ لَهُ تَسَلَّفْ مِنْهَا إنْ شِئْت فَتَسَلَّفَ مِنْهَا وَقَالَ رَدَدْتهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يُبْرِئُهُ رَدُّهُ إيَّاهَا إلَّا إلَى رَبِّهَا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ هُوَ الْمُسَلِّفُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُتَسَلِّفُ إلَّا بِرَدِّ ذَلِكَ إلَيْهِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّهَا إلَى الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّفَهَا فَإِذَا رَدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ يُرِيدُ إنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَا ابْتَاعَ بِهِ لَهُ وَأَنَّ الرِّبْحَ فِي ذَلِكَ لَهُ وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْغَصْبِ وَلِذَلِكَ قَالَ