. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرَّهْنِ اللَّازِمَةِ لَهُ وَذَلِكَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فِيهِ فَصَارَ حُكْمُ الرَّهْنِ مُتَعَلِّقًا بِالرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّهْنَ بِيَدِ الرَّاهِنِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ، وَلَا يَهَبَهُ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ مَنْ تَرَاضَيَا بِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَصَفَ الرِّهَانَ بِأَنَّهَا رِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ، وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْقَبْضِ عَلَى مَا يَبْقَى بِيَدِ الرَّاهِنِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا جُعِلَتْ الْحِيَازَةُ شَرْطًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِمَعْنَى الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يَكْفِي مِنْ حِيَازَتِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ حِينَ الْحَاجَةِ إلَى الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ رَهْنًا بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ فَلَسِهِ وَقْتَ تَعَلُّقِ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لَهُمَا إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمَا بِصِحَّتِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ أَفْلَسَ وَوُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِيَدِ الْأَمِينِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ صَوَابٌ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْحَوْزِ لَهَا حِينَ الِارْتِهَانِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ بِيَدِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ لَهُ قَبْضُهُ وَحِيَازَتُهُ قَبْلَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ فِي وَقْتِهِ وَقَبْلَ فَوْتِهِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعِنْدِي لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ وُجِدَ بِيَدِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْحَوْزِ بِمَعْنَى كَوْنِ الرَّهْنِ بِيَدِهِ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الْحَوْزُ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْفَعَ هَذَا حَتَّى يُعَايِنَ تَسْلِيمَ الرَّاهِنِ لَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ سَنُورِدُهَا وَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِيَازَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحِيَازَةٍ) فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ: فَلَنَا مِنْ الْآيَةِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَأَثْبَتَهَا رِهَانًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ أَنَّ قَوْلَهُ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أَمْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُوجَدَ رَهْنٌ غَيْرُ مَقْبُوضٍ وَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّاهِنَ لَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَسَلَّمَ فَصَحَّ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ آمِرٌ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ عَقَدَ وَثِيقَةً كَالْكَفَالَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَلْ يَكُونُ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ أَنْ يَقْبِضَهُ الْحَائِزُ لِذَلِكَ أَمْ لَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ عَبْدًا سَنَةً أَوْ أَخَذَ حَائِطًا مُسَاقَاةً ثُمَّ ارْتَهَنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا يَكُونُ مُحَوِّزًا لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ مَا فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً لِلْمُرْتَهِنِ كَاَلَّذِي يُخْدِمُ الْعَبْدَ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى آخَرَ فَحَوْزُ الْمُخْدَمِ حَوْزٌ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ رَهَنَ عَيْنًا كَانَ غَصَبَهَا قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ وَسَقَطَ ضَمَانُ الْغَصْبِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رَهْنٌ بَقِيَ بِيَدِ مَنْ اسْتَحَقَّ قَبْضَهُ قَبْلَ الرَّهْنِ فَلَمْ يَكُنْ مَحُوزًا كَمَا لَوْ بَقِيَ بِيَدِ الرَّاهِنِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ احْتِجَاجِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ رَهَنَ بَيْتًا مِنْ دَارٍ بِمَا يَلِيهِ مِنْ الدَّارِ فَحَازَ الْمُرْتَهِنُ بِغَلْقٍ أَوْ كِرَاءٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ حَدَّ لَهُ نِصْفَ الدَّارِ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهُ، وَلَكِنَّهُ رَهَنَهُ الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ، وَنِصْفُ الدَّارَ شَائِعًا فَحِيَازَتُهُ لِلْبَيْتِ تَكْفِيهِ، وَهِيَ