سَمَّى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى أَحْلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا سَمَّى الْمُرْتَهِنُ، وَبَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ الَّذِي سَمَّى الْمُرْتَهِنُ فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ مَا فَضَلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهْنِ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى صِفَةِ الرَّهْنِ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ إذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ يَهْلِكُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُعْلَمُ هَلَاكُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يُرِيدُ أَنَّهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يُعْلَمَ هَلَاكُ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَنْبَرِ وَالْحُلِيِّ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْجِنْسُ مِنْ الرُّهُونِ إذَا ضَاعَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَقُومَ بِضَيَاعِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا تَقُومُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَعَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي الرَّهْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ لَا يُضْمَنُ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الرُّهُونِ وَالْإِقْرَاضِ وَالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ يَدَّعِي فِيهِ الضَّيَاعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْلَمُ فِيهِ كَذِبُ مُدَّعِيهِ غَالِبًا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ أَمْوَالِ النَّاسِ.
وَالْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَيَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ فَإِذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا أُلْزِمَ الْمُكْرِي ضَمَانَ مَا يَنْفَرِدُ بِحَمْلِهِ مِنْ الطَّعَامِ لِمَا خِيفَ مِنْ تَسَرُّعِ أَمْثَالِهِ إلَى أَكْلِهِ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَإِذَا كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِمَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ ظُهُورُهُ فَبِأَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ حُكْمُهَا الضَّمَانُ، وَعَلَى ذَلِكَ أُخِذَتْ فَاسْتَوَى فِيهَا ثُبُوتُ إتْلَافِهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ خَفَاءِ ذَلِكَ كَالرَّهْنِ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمَّا قُبِضَ عَلَى غَيْرِ الضَّمَانِ اسْتَوَى فِيهِ ثُبُوتُ ذَلِكَ أَوْ خَفَاءُ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُ وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فِي الْبَحْرِ فِي الْمَرْكَبِ فَيَغْرَقُ الْمَرْكَبُ أَوْ يَحْتَرِقُ مَنْزِلُهُ أَوْ يَأْخُذُهُ لُصُوصٌ مِنْهُ بِمُعَايَنَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
1 -
(فَرْعٌ) وَإِذَا جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ وَقَدْ احْتَرَقَ وَقَالَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَلَا يُصَدَّقُ، وَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ يَكُونَ الِاحْتِرَاقُ أَمْرًا مَعْرُوفًا مَشْهُورًا مِنْ احْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ حَانُوتِهِ فَيَأْتِي بِبَعْضِ ذَلِكَ مُحْتَرِقًا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَدَّعِي احْتِرَاقَ الثَّوْبِ يَكُونُ عِنْدَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ سَبَبُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَقَعَ فِي نَارٍ أَوْ جَاوَرَتْهُ نَارٌ لَمْ تَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ أَوْ تَعَدَّتْ إلَى يَسِيرٍ يَخْفَى مِثْلُهُ أَوْ يَدَّعِي احْتِرَاقَ ذَلِكَ بِمَا يُعْلَمُ سَبَبُهُ كَاحْتِرَاقِ الْمَنْزِلِ أَوْ الْحَانُوتِ فَإِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ سَبَبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَحْرُوقًا إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا قَدْ عُلِمَ سَبَبُهُ كَاحْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ حَانُوتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ كَانَ فِيمَا احْتَرَقَ مِنْ حَانُوتِهِ أَوْ مَنْزِلِهِ أَوْ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي تَصْدِيقِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِبَعْضِ ذَلِكَ مَحْرُوقًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ أَتَى بِبَعْضِ ذَلِكَ مَحْرُوقًا صُدِّقَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَانُوتِهِ الَّذِي احْتَرَقَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَادَّعَى احْتِرَاقَ جَمِيعِهِ فَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَفْعِهِ مِنْ الرَّهْنِ فِي الْحَوَانِيتِ حَتَّى يَكُونَ مُتَعَدِّيًا بِنَقْلِهِ عَنْهُ كَأَهْلِ الْحَوَانِيتِ مِنْ التُّجَّارِ الَّذِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِارْتِهَانِ الثِّيَابِ وَرَفْعِهَا فِي