. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ مُعَيَّنِينَ) فَأَمَّا نَقْلُهَا عَنْ الْمُعَيَّنِينَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُنْقَلُ عَنْهُ مُتَيَقِّنًا لِمَا أَشْهَدَ بِهِ غَيْرَ شَاكٍّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ نَسِيَهُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهَا عَنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَنُصُّ شَهَادَتَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهَا عَنْهُ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخْبِرَ قَدْ تَرَكَ التَّحَرُّزَ وَالِاسْتِيعَابَ لِلشَّهَادَةِ وَالْمُؤَدِّي لِلشَّهَادَةِ يَتَحَرَّزُ فِيهَا وَيُؤَدِّيهَا أَدَاءً يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِهَا وَأَدَاءُ الشَّاهِدِ شَهَادَتَهُ إلَى مَنْ يَنْقُلُهَا عَنْهُ كَأَدَائِهَا إلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ سَمِعَهُ يَنُصُّ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَمَلُ بِهَا فَكَذَلِكَ النَّاقِلُ لَهَا عَنْهُ.
1 -
(فَرْعٌ) وَمَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُشْهِدْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ هَذَا عِنْدِي الْخِلَافَ الَّذِي بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ فَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَنْقُلُ الشَّهَادَةَ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ يَنْقُلُ ذَلِكَ إذَا سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَتَكُونُ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ قَالَ أَصْبَغُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُشْهِدَهُ أَوْ يُشْهِدَ عَلَى قَبُولِ الْقَاضِي لِتِلْكَ الشَّهَادَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
قَالَ أَصْبَغُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَنْ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَرِيضِ الْحَاضِرِ إذَا كَانَتْ غَيْبَةُ الشَّاهِدِ بَعِيدَةً حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً صَحِيحَةً رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ وَلَمْ أَرَ بِالْمَدِينَةِ قَطُّ امْرَأَةً قَامَتْ بِشَهَادَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّهَا تُحْمَلُ عَنْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهَا مِنْ السَّتْرِ عُذْرٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الْجُمُعَةِ فَأَبَاحَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عَنْهَا كَالْمَرَضِ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْقَرِيبَةُ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا تُنْقَلُ شَهَادَتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَغِيبَ عَنْ مَكَانِهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَ مَوْضِعِهِ وَمَوْضِعِ الْقَاضِي مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَيَصِحُّ نَقْلُهَا عَنْهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ عَلَى مِثْلِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ السِّتِّينَ مِيلًا وَنَحْوَهَا لَمْ يُشَخَّصْ الشُّهُودُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَيُشْهَدُ عِنْدَهُ مَنْ يَأْمُرُ بِهِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَكْتُبُ بِمَا أَشْهَدُوا لَهُ بِهِ عِنْدَهُ إلَى الْقَاضِي قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَنْقُلُ عَنْهُمْ الشَّهَادَةَ إذَا بَعُدَتْ غَيْبَتُهُمْ مَنْ يَعْرِفُ الْغَيْبَةَ بَعْدَ مُدَّةٍ لَا بِأَثَرِ غَيْبَتِهِمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ بِأَثَرِ غَيْبَتِهِمْ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَا يُؤْمَنُ رُجُوعُهُمْ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ بَرِيدَيْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ أَغْنِيَاءَ يَجِدُونَ نَفَقَةً وَرُكُوبًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقُومُ لَهُمْ بِذَلِكَ الْمَشْهُودُ لَهُ فَإِنْ فَعَلَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَذَلِكَ إذَا كَانَ أَمْرًا خَفِيفًا فَإِنْ كَثُرَ لَمْ أُجِزْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّشْوَةِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَيَلْزَمُ الشَّاهِدَ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْقِيَامِ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] ، وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشُّهُودُ نَفَقَةً وَلَا مَرْكُوبًا جَازَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُؤْنَةٌ لَا تَلْزَمُ الشُّهُودَ فَلَمْ تُبْطِلُ شَهَادَتُهُمْ تَكْلِيفَ الْمَشْهُودِ لَهُ كَسَائِرِ نَفَقَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُنْهِضَ الشُّهُودُ إلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لِيُعَايِنُوا حُدُودَ أَرْضٍ وَصِفَتَهَا فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبُوا دَوَابَّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَيَأْكُلُوا طَعَامَهُ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مِنْ سُؤَالِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الشَّاهِدِ يَأْتِي مِنْ الْبَادِيَةِ يَشْهَدُ لِرَجُلٍ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ فِي ضِيَافَتِهِ حَتَّى يَخْرُجَ لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَهَذَا خَفِيفٌ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ دُونَ مُكَارَمَةٍ مَشْرُوعَةٍ يَتَقَارَضُ فِيهَا النَّاسُ وَلَعَلَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمْ قَبْلَ هَذَا.
(فَصْلٌ) :
وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ