. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَصْلُهُ إذَا قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ لِذَلِكَ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ كِتَابًا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ يَقْرَأَ الْكِتَابَ فَيَتَّبِعَ مَا فِيهِ» قَالَ وَوَجْهُ الْمَنْعِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا يَشْهَدُونَ بِهِ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي حَالِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) أَمَّا حَالُ الْأَدَاءِ فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي شَهَادَةً حَفِظَهَا فَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لَهَا حِينَ الْأَدَاءِ إمَّا لِأَنَّهُ اسْتَدَامَ حِفْظَهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُ قَيَّدَهَا فِي كِتَابٍ يَذْكُرُهَا مِنْهُ حَالَ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ.
وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يَتَفَقَّدُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي كِتَابٍ عَقَدَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِهِ عَقْدًا بِمَا عُلِمَ فِي الشَّاهِدِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يُسَمِّيهِ أَصْحَابُ الْوَثَائِقِ عَقْدَ اسْتِرْعَاءٍ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهِدَ مَنْ تَسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَذَا ثُمَّ يَكْتُبُ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ وَيُسَلِّمُ الْعَقْدَ إلَى صَاحِبِهِ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَدُعِيَ الشَّاهِدُ إلَى الشَّهَادَةِ لَزِمَ الشَّاهِدَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِجَمِيعِهِ وَيَذْكُرُ ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهِ أَدَّى الشَّهَادَةَ عَلَى عُمُومِهَا، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضَهُ شَهِدَ بِمَا ذُكِرَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَشْهَدُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى عَقْدِ تَبَايُعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إقْرَارٍ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ حِفْظُهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهِ فَإِنْ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَيَعْرِفُ خَطَّهُ وَلَا يَسْتَرِيبُ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابِ فِي مَحْوٍ وَلَا بَشْرٍ وَلَا إلْحَاقٍ فَلْيُؤَدِّ الشَّهَادَةَ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا، وَإِنْ اسْتَرَابَ بِشَيْءٍ فَلَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِيمَا شَهِدَ عَلَى حَقِّهِ بِمَعْرِفَةِ صَوْتِ مُبَايِعِهِ وَالْمُقْتَرِضِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ فَإِنْ مَيَّزَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أُشْهِدَ وَلَا أَنَّهُ كَتَبَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ فَلَا يَشْهَدُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَشْهَدُ، وَإِنْ عَرَفَ خَطَّهُ ثُمَّ يَذْكُرُ الشَّهَادَةَ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى أَكْثَرِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ بِقَوْلِهِ الْآخَرِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ كَتَبَ شَهَادَتَهُ وَعَرَفَ خَطَّهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ مَا فِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَشْهَدُ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّيهَا كَمَا عَلِمَ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا.
وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ فِي كِتَابٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ وَلَا يَذْكُرُ كُلَّ مَا فِي الْكِتَابِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْوًا وَلَا لَحْقًا وَلَا مَا يَسْتَنْكِرُهُ وَرَأَى الْكِتَابَ خَطًّا وَاحِدًا فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْكِتَابِ شَيْئًا وَلَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ هَذَا بُدًّا.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَصِفَةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَشْهَدُ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّيهَا كَمَا عَلِمَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالشَّهَادَةِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالشَّهَادَةِ إلَى مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَامِلٌ وَيُورِدُهُ لِيَعْمَلَ بِهِ وَأَشَارَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْإِخْبَارِ بِمَا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ فَلَا يَعْمَلُ بِهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي شَهَادَةِ مَنْ رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ وَلَا يَذْكُرُهَا يَرْفَعُهَا إلَى الْإِمَامِ عَلَى وَجْهِهَا وَلْيَقُلْ هَذَا كِتَابٌ شَبِيهُ كِتَابِي وَأَظُنُّهُ إيَّاهُ وَلَا أَذْكُرُ شَهَادَةً وَلَا أَنِّي كَتَبْتهَا يَحْكِي ذَلِكَ وَلَا يُقْضَى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَعَرَفَ خَطَّهُ فَقَدْ يَضْرِبُ عَلَى خَطِّهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ يَشْهَدُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ إلَّا خَطَّهُ فَيَقُولُ إنَّ مَا فِيهِ حَقٌّ وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ الشَّهَادَةِ شَيْئًا، وَقَدْ عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَرْتَبْ فِي شَيْءٍ فَلَا يَقْبَلُهَا.
وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقُولُ أَشْهَدُ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا، وَلَوْ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ رَأَيْت أَنْ يُجِيزَ شَهَادَتَهُ إذَا عَرَفَ أَنَّ الْكِتَابَ خَطُّ يَدِهِ قَالَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ حَتَّى