(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّنَةُ كَثِيرٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ الَّذِي يُكَلَّفُ تَعْدِيلَهُ؟ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ مَنْ يُعَدِّلُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ فَلَا يَقْبَلُهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا يَطْلُبُ التَّزْكِيَةَ مِنْ الشَّاهِدِ وَذَلِكَ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ الْحُكْمَ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ يُعَدِّلُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُكَلِّفُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ يُزَكِّيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَإِنْ زَكَّاهُ وَإِلَّا رَدَّ شَهَادَتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَرْضَهُ.
(ش) : قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْخَصْمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّجُلُ يُخَاصِمُ الرَّجُلَ فِي الْأَمْرِ الْجَسِيمِ مِثْلُهُ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ وَالْحِقْدَ فَمِثْلُ هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى خَصْمِهِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ وَفِي غَيْرِهِ، وَإِنْ خَاصَمَهُ فِيمَا لَا خَطْبَ لَهُ كَثَوْبٍ قَلِيلِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُوجِبُ عَدَاوَةً فَإِنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا يُخَاصِمُهُ فِيهِ جَائِزَةٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْخَصْمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَكِيلُ، وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْوَجْهَانِ عِنْدِي مُحْتَمَلَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَدُوَّ الْمُخَاصِمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَكِيلَ عَلَى خُصُومَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مَا يُخَاصِمُ فِيهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَامَ بِهِ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ وَيُخَاصِمُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّاسَ قَدْ جُبِلُوا عَلَى أَنَّ مَنْ خَاصَمَ فِي شَيْءٍ أَنَّ لَهُ إتْمَامَهُ وَالنَّفَاذَ فِيهِ فَلَا يُؤْمَنُ عَلَى هَذَا الْمُخَاصِمِ أَنْ يَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ مَا يَنْفُذُ بِهِ فِيمَا يُحَاوِلُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ قَائِمٍ بِهِ لَمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَالْقَائِمُ بِهِ لَا يَجُرُّ بِهِ مَنْفَعَةً إلَى نَفْسِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ خُصُومَتَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ بِالتُّهْمَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْحُكْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فَالصَّوَابُ عِنْدِي الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْخُصُومَةُ فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ بِهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ الْخُصُومَةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا وَأَدَّاهَا فِي حَالِ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِالْقُرْبِ مِنْهَا فَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا مُدَّةٌ لَا تَلْحَقُ فِي مِثْلِهَا التُّهْمَةُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْعَدَاوَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْعَدَاوَةُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إنَّ الشَّهَادَةَ مَاضِيَةٌ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا.
(فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ يُرِيدُ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا، وَأَمَّا تَحَمُّلُهَا فَمُعْتَبَرٌ بِوَقْتِ أَدَائِهَا.
وَلِلشَّهَادَةِ حَالَانِ: حَالُ تَحَمُّلٍ وَحَالُ أَدَاءً وَإِنِّي أُفْرِدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ) أَمَّا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: تَحَمُّلُ نَقْلِهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَالثَّانِي تَحَمُّلُ نَقْلِهَا عَنْ الشُّهُودِ، وَالثَّالِثُ تَحَمُّلُ نَقْلِ حُكْمِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَأَمَّا تَحَمُّلُ نَقْلِهَا مِنْ الْأَصْلِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْمَعَ لَفْظَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالشَّهَادَةِ لَهُ أَوْ إقْرَارَهُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابٍ، فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَسْمَعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ فَهُوَ إذَا وَعَاهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُمْ بِالشَّهَادَةِ غَيْرُهُ وَتَجُوزُ عَلَى هَذَا شَهَادَةُ الْأَعْمَى خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ مَا تَحَمَّلَ حَالَ الْعَمَى وَلِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ مَعْرِفَةُ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ جَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ