. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] يُرِيدُونَ قَبِيلَكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونَانِ شَهِيدَيْنِ وَيَكُونُ حُكْمُهُمَا مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ اسْتِحْلَافِهِمَا.
وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يُنَافِي الشَّهَادَةَ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحْلِفُوا وَلَوْ كَانُوا شُهُودًا لَمْ يُسْتَحْلَفُوا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الشَّاهِدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ يَمِينٌ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ فَيَحْضُرَ مَوْتَهُ مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ لَا يَحْضُرُهُ غَيْرُهُمَا، فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَتُهُ مَا غَابَ عَلَيْهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَذَلِكَ وَيَحْلِفُ الشَّاهِدَانِ إنَّهُمَا لَصَادِقَانِ، فَإِنْ غُيِّرَا وَوُجِدَ لَطْخٌ أَوْ لَبْسٌ أَوْ شَبَهٌ حَلَفَ الْأَوْلَيَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَاسْتَحَقَّا وَأَبْطَلَا أَيْمَانَ الشَّاهِدَيْنِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْحَالِفُ شَاهِدًا وَيَقُولُ الْحَالِفُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ يَعْنِي عَلَى الْيَمِينِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
1 -
(فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْعَدَالَةُ تُنَافِي الْكُفْرَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى مُسْلِمٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى كَافِرٍ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْحَرْبِيِّ.
(مَسْأَلَةٌ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ التَّحَمُّلِ فَلَوْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ عَبْدٌ كَافِرٌ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأُعْتِقَ وَكَمُلَتْ لَهُ صِفَاتُ الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ تَحَمَّلَهَا فِي حَالِ عَدَالَةٍ ثُمَّ أَدَّاهَا فِي حَالِ فِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِ فِي حَالِ فِسْقِهِ ثُمَّ أَدَّاهَا مَنْ عَلِمَهَا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ الْعَدَالَةَ لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِصِفَاتِهِمْ وَقْتَ إشْهَادِهِ عَلَى شَهَادَتِهِ قَالَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ قَالَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.
(فَرْعٌ) وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِهَا عِنْدَ الْحُكْمِ فَرَدَّهَا لِمَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي ثُمَّ زَالَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهَا لَهُمَا، وَلَوْ أَدَّيَاهَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَا، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ إنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِصِغَرٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ قُبِلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ أَوْ تُهْمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ لِزَوْجَتِهِ بِشَهَادَةٍ فَتُرَدُّ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لَهَا فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنًى فِيهِ أَوْجَبَ رَدَّهَا فَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ فِيهَا، وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالْفِسْقِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنَّمَا شَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ لِتَحَمُّلِهَا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ الْغَلَطُ فِيهَا وَتَرْكُ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّزًا فِيهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّزًا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ التَّخَيُّلُ مِنْ أَهْلِ التَّخْيِيلِ فَيَشْهَدُ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَعْلَمْ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُوَلًّى عَلَيْهِ؟ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ تَجُوزُ إنْ كَانَ عَدْلًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أَخَذَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبِكْرِ فِي الْمَالِ حَتَّى تُعَنِّسَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِحِفْظِ الْمَالِ وَتَثْمِيرِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ مَعَ الْعَدَالَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّاهِدِ أَنْ يَعْرِفَ التَّحَرُّزَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّحَرُّزِ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَلَا يَوْثُقُ بِهِ فِي ذَلِكَ فَبِأَنْ لَا يَوْثُقُ بِهِ فِي أَدَاءِ شَهَادَتِهِ أَوْلَى.
(فَصْلٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ: أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَعْرِفُ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُ وَقِسْمٌ يَعْرِفُ فِسْقَهُ وَقِسْمٌ يَجْهَلُ أَمْرَهُ، فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ عَدَالَتَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَدْفَعٌ فِيهَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ بِالْعَدَالَةِ، وَعِنْدَ