(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَمَا يُدْرِيك فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ إنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَهُ إنَّمَا يَقْطَعُ لَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى لَهُ بِحَقٍّ هُوَ لِأَخِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ اخْتَصَمَ إلَيْهِ يَهُودِيٌّ وَمُسْلِمٌ فَقَضَى عُمَرُ لِلْيَهُودِيِّ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَإِنَّمَا يُقْضَى فِيهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُقِدَتْ لَهُمْ الذِّمَّةُ لِتَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ إلَّا فِيمَا يَخُصُّهُمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُونُوا ذِمَّةً وَكَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ فَإِنْ أَمْكَنَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَهُمْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ نَفَذَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ أَمْرُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَعْنَى الصُّلْحِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا أَحْكَامُ أَهْلِ الْكُفْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ كَيَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ يَكُونَا عَلَى دِينَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ فَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا نَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا عُقِدَتْ لَهُمْ عَلَى أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ بَيْنَهُمْ فَإِنْ رَضِيَا جَمِيعًا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَرْضَ أَسَاقِفَتُهُمْ بِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ إلَّا بِرِضَى الْخَصْمَيْنِ وَرِضَى أَسَاقِفَتِهِمْ فَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمَانِ وَأَبَى الْأَسَاقِفَةُ أَوْ رَضِيَ الْأَسَاقِفَةُ وَأَبَى ذَلِكَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بَيْنَهُمَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْحَاكِمُ حَكَمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا لَمْ يَعْرِضْ لَهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الرِّضَى بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ وَبَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42] ، وَأَمَّا إنْ كَانَا عَلَى دِينَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَفِي النَّوَادِرِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لِاخْتِلَافِ مِلَّتَيْهِمَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا فِي طَرِيقَةِ التَّخَاصُمِ وَالتَّطَالُبِ بِالْحُقُوقِ الَّتِي سُلِّمَتْ بِرِضَى الطَّالِبِ لَهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ التَّظَالُمِ كَالْغَصْبِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِلَّتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ الْيَهُودِيِّ لِعُمَرَ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَقَدْ قَضَيْت لِي بِمَا هُوَ حَقٌّ لِي عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَقَدْ قَصَدْت الْحَقَّ فِي حُكْمِك هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ عَلَى حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَضَرْبُهُ الْيَهُودِيَّ لَمَّا قَالَ لَهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ وَقَوْلُهُ لَهُ وَمَا يُدْرِيك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُ فِيهِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ وَالْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ وَمَا يُدْرِيك يُرِيدُ مَا يُدْرِيك أَنَّهُ كَمَا حَلَفْت عَلَيْهِ وَقَطَعْت بِهِ فَأَنْكَرَ عَلَى الْيَهُودِيِّ الْحَلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي ضَرْبَهُ وَعُقُوبَتَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى الْقَطْعِ فِي أَمْرٍ يَظُنُّهُ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ تَكُونُ الْقَضِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ صَحِيحَةً لَكِنَّهَا فِي الْبَاطِنِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ الْآخَرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُهُ لَمَّا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَعْلَمُ هُوَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فِي شَرْعِ الْمُسْلِمِينَ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا حُكْمٌ إنَّمَا شُرِعَتْ بِاجْتِهَادِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُهُ لِمَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ