. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أُشْرِكَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ وَلَا بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَقَدْ قَامَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ عَدَدٌ مِنْ الْحُكَّامِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْفَرِدُ بِحُكْمِهِ الَّذِي يُرْفَعُ إلَيْهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَذَاهِبَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْأَغْرَاضَ مُتَبَايِنَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّفِقَ رَجُلَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَا يَرَى أَحَدُهُمَا خِلَافَ مَا يَرَاهُ الْآخَرُ، وَإِذَا أُشْرِكَ بَيْنَ الْحَاكِمَيْنِ دَعَا ذَلِكَ إلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَسَائِلِ وَيُوقَفُ نُفُوذُهُمَا كَالْإِمَامَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْحَكَمَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْحَكَمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ بِوِلَايَةٍ، وَإِنْ اتَّفَقَا نَفَذَ حُكْمُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا وَحُكْمُ غَيْرِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ وَهَذَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ وَامْتِنَاعِ نُفُوذِهَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَوْنِ الْأَعْمَى حَاكِمًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْقَضَاءِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِ الْقَضَاءِ وَإِنْفَاذِ الْأَحْكَامِ، وَالْحَاكِمُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَنْظُرَ لِكُلِّ مَنْ يَطْلُبُ عِنْدَهُ مَطْلَبًا مِنْ مَطَالِبِ الْحَقِّ، وَالْأَعْمَى وَإِنْ كَانَ يُمَيِّزُ الْأَصْوَاتَ فَلَا يُمَيِّزُ إلَّا صَوْتَ مَنْ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ صَوْتُهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِشَهَادَةٍ مِمَّنْ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ فَقَدْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ قَبْلَ هَذَا وَيُزَكَّى عِنْدَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْلَمُ هَلْ هَذَا الْمُزَكَّى عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي زَكَّى بِالْأَمْسِ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ يُجْرَحُ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ فَلَا يَدْرِي هَلْ هُوَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ يَبْقَى عَلَى عَدَالَتِهِ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنْ الْغَدِ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى وَقَدْ غَابَ مُعَدِّلُوهُ فَلَا يَدْرِي هَلْ هُوَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ الْأُمِّيَّ وَهُوَ يُبْصِرُ وَيُمَيِّزُ فَكَيْفَ بِالْأَعْمَى وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجِيزُ شَهَادَتَهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا اعْتِبَارُ إسْلَامِهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ حُرِّيَّتِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهَا لِلنَّظَرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُ نَاقِصُ الْحُرْمَةِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ فِي الْإِمَامَةِ كَالْمَرْأَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا اعْتِبَارُ كَوْنِهِ عَالِمًا فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْعَالَمِ الْعَدْلِ وَاَلَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَةَ الْمُجْتَهِدِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُسْتَقْضَى مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ.
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا فِقْهَ لَهُ أَوْ فِقْهٍ لَا حَدِيثَ عِنْدَهُ وَلَا يُفْتِي إلَّا مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِشَيْءٍ سَمِعَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَمَعَ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] فَأَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ يَتَفَكَّرُوا وَيَعْتَبِرُوا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ تَبْيِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُمْ التَّفَكُّرُ فِي أَحْكَامِهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يَرَى شَيْئًا، وَبِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ إنَّهُ لَا يُفْتِي مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا سَمِعَ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ فَتْوَى صَاحِبِ الْمَقَالَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِعَدَمِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى.
(فَرْعٌ) فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَالِمٌ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ أَوْ رَجُلٌ مَرْضِيُّ الْحَالِ غَيْرُ عَالِمٍ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ يُسْتَقْضَى الْعَدْلُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَشِيرُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَيَجْتَهِدُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ عِلْمٌ وَوَرَعٌ فَعَقْلٌ وَوَرَعٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِالْوَرَعِ يَعِفُّ فَإِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ وَجَدَهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْعَقْلَ لَمْ يَجِدْهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ