الْكِرَاءُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا فَحَمَلَهُ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ فَبَارَ عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إنْ بَاعَ فَتَكَارَى عَلَيْهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يُتْبِعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يُحَمِّلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَارَضَهُ بِعَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَرْضَ فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُهُ فَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا يَكُونُ الثَّمَنُ رَأْسَ الْمَالِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُسْتَأْنَفٌ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الْقِرَاضِ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ هُبُوبُ الرِّيَاحِ وَنُزُولُ الْمَطَرِ وَاسْتِدْلَالٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا قِرَاضٌ وَإِجَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ لِاخْتِلَافِ مُقْتَضَاهُمَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ عَلَى الْقِرَاضِ يَكُونُ الْعَرْضُ رَأْسَ الْمَالِ تَرُدُّ إلَيَّ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ مِثْلَهُ فَمَا فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَك فَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ الْغَرَرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي وَقْتِ رُخْصِهِ وَيَرُدَّهُ فِي وَقْتِ غَلَائِهِ، فَيَذْهَبُ رَبُّ الْمَالِ بِرِبْحِ الْمَالِ أَوْ يَأْخُذُهُ فِي وَقْتِ نَفَاقِهِ وَيَرُدُّهُ فِي وَقْتِ كَسَادِهِ فَيَشْتَرِيهِ بِبَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَيُقَاسِمُهُ الْبَعْضَ الْآخَرَ دُونَ أَنْ يُنَمِّيَ بِعَمَلِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِمَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهُ وَيَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ نَفَاقُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقِرَاضُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْعَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُصَحَّحَ بِهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ فَيَكُونَ الْقِرَاضُ مِنْ وَقْتٍ صَحَّ الثَّمَنُ وَحَصَلَ بِيَدِ الْعَامِلِ وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ بِهِ لِوَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُصَحَّحُ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَيُرَدُّ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لَمْ يُرَدَّ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ.
(فَرْعٌ) وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي ذَلِكَ قِسْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ إذَا أَعْطَاهُ عَرْضًا بِقِيمَتِهِ وَجَعَلَا تِلْكَ الْقِيمَةَ رَأْسَ الْمَالِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَظْهَرُ إلَيَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصَدَ إلَى أَنْ يَعْمَلَ بِالثَّمَنِ وَيَكُونَ مَا قَوَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ أَنَّهُ أَجِيرٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُشْتَرَطَةٌ إمَّا لِرَبِّ الْمَالِ وَإِمَّا لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ بِالْعَرْضِ فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ ثَمَنٌ قَالَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَهُ حُكْمُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا إنَّهُ أَجِيرٌ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ فِيهَا زِيَادَةٌ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ بِنَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ يَرُدَّهُ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لِلْعَامِلِ.
[الْكِرَاءُ فِي الْقِرَاضِ]
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَطْلَقَ يَدَ الْعَامِلِ مِنْ مَالِهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ دُونَ غَيْرِهِ فَكُلُّ مَا عَمِلَ فِيهِ الْعَامِلُ مِنْ عَمَلٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ عَادَ ذَلِكَ بِخُسْرَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ لَحِقَ الْعَامِلَ بَعْدَ ذَلِكَ غُرْمٌ بِسَبَبِ مَالِ الْقِرَاضِ فَهُوَ مُلْتَزِمٌ مُتَعَدٍّ فِي الْتِزَامِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ.