(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَاهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشِّرْكَةِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَهُوَ جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ أَنْوَاعِهِ، وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ يَزْكُو بِالْعَمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ النَّمَاءِ الْخَارِجِ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَزْكُو إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ التِّجَارَةَ وَيَقْدِرُ عَلَى تَنْمِيَةِ مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهَا مِمَّنْ يُنَمِّيهَا فَلَوْلَا الْمُضَارَبَةُ لَبَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا فَلِذَلِكَ أُبِيحَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ مِنْ مِثْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي التَّنْمِيَةِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ جَعَلْته قِرَاضًا عَلَى سَبِيلِ التَّصْوِيبِ لِمَا رَآهُ هَذَا الْمُشِيرُ، وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، وَإِنَّمَا كَانَ إظْهَارًا لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَرَاهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ مِنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيهِ.

(فَصْلٌ) :

وَإِنَّمَا جَوَّزَ عُمَرُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ عَمِلَا فِي الْمَالِ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ وَعَلَى وَجْهٍ يُعْتَقَدُ أَنَّ فِيهِ الصِّحَّةَ دُونَ أَنْ يُبْطِلَا فِيهِ مَقْصُودًا لِمَنْ يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْطَلَ عَلَيْهِمَا عَمَلُهُمَا فَرَدَّهُمَا إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِمَا وَكَانَ قِرَاضُ مِثْلِهِمَا النِّصْفَ فَأَخَذَ عُمَرُ النِّصْفَ مِنْ الرِّبْحِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ النِّصْفَ الثَّانِيَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَى جَدَّ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَالًا قِرَاضًا لَفْظَةُ الْإِعْطَاءِ تَقْتَضِي تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ وَائْتِمَانَهُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ سُنَّةُ الْقِرَاضِ وَلَوْ شَرَطَا بَقَاءَ الْمَالِ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ سِلْعَةً وَزَنَ وَإِذَا بَاعَ قَبَضَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنًى قَدْ أَخْرَجَهُمَا عَنْ صُورَةِ الْقِرَاضِ وَمَعْنَاهُ فَمَنَعَ ذَلِكَ صِحَّتَهُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِيَدِ الْعَامِلِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَنًا عَلَى الْمَالِ فَمَا أَخْرَجَ الْقِرَاضَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِرَاضًا وَيَجْعَلُهُ إجَارَةً مَجْهُولَةَ الْعِوَضِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ عَمِلَ مَعَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْكَثِيرِ دُونَ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ أُنْفِقَ فِي الْقِرَاضِ عَلَى مَا أُنْفِقَ فِيهِ فَلِذَلِكَ أَثَرٌ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ فِيمَا لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهُ الْحَاضِرُ مِثْلُ أَنْ يُعَيِّنَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي قَبْضِ دَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِصَدِيقِهِ أَوْ يُعَيِّنَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْقِرَاضَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُفْسَخُ الْقِرَاضُ لِكَثِيرِهِ دُونَ شَرْطٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ قَدْ سَلِمَ مِنْ الشَّرْطِ وَلَيْسَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ بِقَوِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَكَادُ يُفْعَلُ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ تَشَارُكَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ بِمَالٍ آخَرَ جَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَيْنِ عَقْدَانِ مُقْتَضَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُقْتَضَى الْآخَرِ فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ تَشَارَكَا بَعْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الِاشْتِرَاكِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً لَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُهُ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ إنْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ وَلَا وَأْيٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أُصْبَغَ قَالَ خُيِّرَ فِيهِ وَعَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي أَقْوَالِهِمْ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ سَلِمَ عَقْدُ الْقِرَاضِ مِنْ الْفَسَادِ، وَذَلِكَ أَنْ يَعْقِدَاهُ عَلَى مَا يُوجِبُ تَصَرُّفَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015