(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَسْلَفْت رَجُلًا سَلَفًا، وَاشْتَرَطْت عَلَيْهِ فَضْلًا مِمَّا أَسْلَفْته فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَلِكَ الرِّبَا قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِك فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِك، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ فَذَلِكَ الرِّبَا، قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته، وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ الَّذِي أَسْلَفْته فَأَخَذْته أُجِرْت، وَإِنْ أَعْطَاك أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك، وَلَك أَجْرُ مَا أَنْظَرْته مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إلَّا قَضَاءَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ فَهُوَ رِبًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَيْثُمَا لَقِيَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَلَيْهِ الدِّينُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَضَاءِ لِمَا شَرَطَ مِنْ الْبَلَدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ هِيَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا، وَلَا تُقَوَّمُ بِغَيْرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ لَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ وَالْجِنْسِ، وَقَدْ لَزِمَ مِنْهُ مَا لَا يُغَيَّرُ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمَبِيعَاتِ فَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْهُمَا أَنْ يَقْضِيَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَقَوْلُهُ فَأَيْنَ الْحَمْلُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ ازْدَادَ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ الْحَمْلُ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ أَرَادَ بِهِ الضَّمَانَ وَالْحَمْلَ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ وَالضَّمَانِ فِي مُدَّتِهِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَمْ يَمْنَعْ الضَّمَانُ فِي مُدَّةِ الِاقْتِرَاضِ مِنْ صِحَّةِ الْقَرْضِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الِانْتِفَاعِ بِمَا اقْتَرَضَهُ الْمُقْتَرَضُ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَأَمْرٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ وَزِيَادَةٌ لَهَا قَدْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُ الرَّجُلِ إنِّي أَسْلَفْت سَلَفًا، وَاشْتَرَطْت عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته، وَمُجَاوِبَةُ ابْنِ عُمَرَ لَهُ عَلَى هَذَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْسِرَ وَجْهَ الْفَضِيلَةِ بِأَنَّهُ رِبًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْفَضِيلَةِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْجَوْدَةِ أَوْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ الْفَضِيلَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَرْضِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ فَمَا تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ طَلَبًا لِلْخُرُوجِ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ، وَاسْتِرْشَادًا لِمَا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الرِّبَا الَّذِي قَدْ تَوَرَّطَ فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ سَلَفٌ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ يُرِيدُ لَك مَا لِمَنْ أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ مِنْ الثَّوَابِ، وَسَلَفٌ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِك يُرِيدُ أَنَّك تَقْصِدُ بِهِ اسْتِرْضَاءَهُ، وَتَطْيِيبَ نَفْسِهِ فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِك يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَك رِضَاءَهُ، وَطَيِّبَ نَفْسِهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَ فِيهِمَا ازْدِيَادٌ، وَالثَّالِثُ أَنْ تُسْلِفَ أَخَاك لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ يُرِيدُ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ هَذَا السَّائِلُ مِنْ شَرْطِ الزِّيَادَةِ فَيَأْخُذُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخَبِيثُ عِوَضًا عَنْ الطَّيِّبِ، وَهُوَ الْحَلَالُ الَّذِي أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ طَيِّبًا قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّبَا فَجَاوَبَهُ ابْنُ عُمَرَ بِتَبْيِينِ وَجْهِ تَحْرِيمِ مَا أَخْبَرَهُ عَنْ تَحْرِيمِهِ، وَفَصَّلَ لَهُ وُجُوهَ السَّلَفِ لِيَكْشِفَ لَهُ عَنْ مَعَانِيهَا وَبَيَّنَ لَهُ طَيِّبَهَا مِنْ خَبِيثِهَا.
(فَصْلٌ)
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيفَةِ، وَلَا يَعْتَقِدَ الطَّلَبَ لَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ إسْقَاطَ الشَّرْطِ جُمْلَةً، وَهَكَذَا مَنْ أَسْلَفَ رَجُلًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِ زِيَادَةً، وَكَانَ قَرْضُهُ مُؤَجَّلًا كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقَرْضَ جُمْلَةً لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ، وَيُعَجِّلُ قَبْضَ مَالِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، وَيُبْقِيَهُ عَلَى أَجَلِهِ دُونَ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ، وَيُبْطِلَ شَرْطَهُ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته، وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ، وَلَيْسَ لَك غَيْرُهُ، وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ الَّذِي أَعْطَيْته فَأَخَذْته أُجِرْت نَدْبٌ إلَى الْخَيْرِ وَالتَّنَاهِي فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ