(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ بَعْضَهُ وَفَرَّقَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ مَا فَرَّقَ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ بِعَيْنِهِ فَإِنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا فَأُحِبُّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَيَكُونُ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى صَرَّافٍ مِائَةَ دِينَارٍ قَبَضَهَا فِي كِيسِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ مَكَانَهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَالثَّانِي مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» يُرِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي حُكْمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ شَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ «وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْحَقِّ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ حُكْمِ الْفَلَسِ لِأَنَّهُ فِي فَلَسِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ، وَفِي مَوْتِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلْسِ، وَهُمَا سَوَاءٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمُبْتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَلَيْسَتْ بِأَصَحَّ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ثِقَةٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ حَظَّ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِ مَالِهِ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَانْفِرَادِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ أَنَّ فِي الْفَلَسِ الذِّمَّةُ بَاقِيَةٌ يَرْجِعُ الْغُرَمَاءُ إلَيْهَا، وَيَنْتَظِرُونَ الِاقْتِضَاءَ مِنْهَا، وَفِي الْمَوْتِ تَبْطُلُ الذِّمَّةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِحَقِّ بَاقِي الْغُرَمَاءِ عَنْ مَالٍ قَدْ مَلَكَهُ غَرِيمُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُمْ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَهَذَا إذَا مَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يُوقِفَ لِلْبَائِعِ سِلْعَتَهُ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُفْلِسِ السُّلْطَانُ يُوقِفُ مَالَهُ، وَيُوقِفُ مِنْهُ سِلْعَةً لِبَائِعِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ السِّلْعَةَ لِبَائِعِهَا إذَا وَقَفَهَا لَهُ السُّلْطَانُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَلَيْسَ إيقَافُ الْمَالِ إيقَافًا لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا الْبَائِعُ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا فِي حَيَاةِ الْمُبْتَاعِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا.

1 -

(مَسْأَلَةٌ)

وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى الْكَيْلِ فَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا فَبَاعَ بَعْضَهَا ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَبِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَتَيْنِ ثُمَّ يُفْلِسُ الْمُبْتَاعُ فَيَجِدُ الْبَائِعُ إحْدَى السِّلْعَتَيْنِ، وَقَدْ فَاتَتْ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْبِضُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهَا ثُمَّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَةَ بِمَا يُصِيبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِمَا يُصِيبُ الْفَائِنَةَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الَّتِي وَجَدَ، وَحَاصَّ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ مَا بَقِيَ مِنْ سِلْعَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذْ السِّلْعَةَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ قَبْضَهُ لِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَدْ سَلِمَ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ الْعَيْبِ فِي أَخْذِ الْعِوَضَيْنِ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الذِّمَّةَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا بِقِيمَةِ الثَّمَنِ عَيْبُ الْفَلَسِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الثَّمَنِ يَتَقَسَّطُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيَدْخُلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015