(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيُّ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَرْفَعُ إلَى صَدْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْفَعُ إلَى أُذُنَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى نِهَايَةِ الرَّفْعِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَأَمَّا مَا رَوَى مَالِكٌ بْنُ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ» فَلَنَا عَلَى ذَلِكَ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: التَّرْجِيحُ.
وَالثَّانِي: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.
فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْ قَتَادَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّا نَقُولُ كَانَ يُحَاذِي بِكَفَّيْهِ مَنْكِبَيْهِ وَبِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ أُذُنَيْهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ إطْرَاحِ أَحَدِهِمَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا صِفَةُ الرَّفْعِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنْ تَكُونَ يَدَاهُ قَائِمَتَيْنِ تُحَاذِي كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ وَأَصَابِعُهُ أُذُنَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُمَا تَكُونَانِ مَنْصُوبَتَيْنِ ظُهُورُهُمَا إلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَوْلَى لِأَنَّا نَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التَّكَلُّفِ وَأَيْسَرُ فِي الرَّفْعِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى رَفْعَهُمَا عِنْدَ الِانْحِنَاءِ لِلرُّكُوعِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ وَزَادَ الرَّفْعَ عِنْدَ الِانْحِنَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمْ وَقَوْلُهُمْ أَوَّلًا لِأَنَّهُمْ زَادُوا وَفِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ.
(ش) : قَوْلُهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ» يُرِيدُ بِالْخَفْضِ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَبِالرَّفْعِ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ وَأَمَّا الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَهُ التَّحْمِيدُ دُونَ التَّكْبِيرِ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْس الْخَفْضَيْنِ وَأَمَّا الرَّفْعُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِي نَفْسِ الْقِيَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا رَفْعُ رَأْسٍ مِنْ سُجُودٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى اسْتِيفَاءِ الْقِيَامِ كَالْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ اخْتِصَاصِ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ اخْتَصَّ بِهَا رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُودِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْعَمَلِ وَابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ فَعَرَا آخِرُ الْقِيَامِ مِنْ تَكْبِيرٍ وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَنْتَقِلَ مِنْ عَمَلٍ إلَى عَمَلٍ إلَّا بِتَكْبِيرِ فَاخْتَصَّ بِذَلِكَ أَوَّلُ الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوَّلُ الْوُقُوفِ.
وَالثَّانِي أَنَّهَا حَالٌ قَدْ شُرِعَ فِيهَا تَكْبِيرَةٌ وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا الْقِيَامُ مِنْ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ آخِرُ عَمَلٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» ) .
(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إخْبَارٌ عَنْ رَفْعِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَ رَفْعِهِمَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَنْ مَنَعَ الرَّفْعَ جُمْلَةً.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) .
(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ أَوْ رَفَعَ يَقُولُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي الشَّبَهَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا عَامٌّ فِي التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّاوِيَ إنَّمَا ذَكَرَ مِنْ صَلَاةِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّكْبِيرَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَصَدَ بِهِ الشَّبَهَ