(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ سَعِيدُ لَا تَبِعْ إلَّا مَا آوَيْت إلَى رَحْلِك)
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَابَلَ مَا لَك عَلَيْهِ فَهُوَ حَوْلٌ، وَهُوَ فِي الْبَاقِي حَمِيلٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَلَوْ أَحَلْته، وَلَا شَيْءَ لَك عَلَى الْمُحَالِ ثُمَّ قَضَيْت الْمُحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ فَلِسَ أَوْ مَاتَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْك، وَإِنْ قُلْت كَانَتْ حَمَالَةً ثُمَّ صَارَتْ حَوْلًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْحَوَالَةِ مَعْنَاهُ الْحَمَالَةُ ثُمَّ دَفَعَ الْمُحِيلُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا لَا يُؤَدِّيهِ عَنْهُ بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَمَالَةِ، وَهَذَا لَا يَنْتَقِلُ بِمَا عَقَدَاهُ إلَى الْحَوَالَةِ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِيلَ مِنْ مُعَجَّلٍ عَلَى مُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِيلَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعَجَّلٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ دَيْنُهُ قَدْ حَلَّ فَاسْتَحَالَ مِنْهُ عَلَى مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَجَّلِ بِالْمُعَجَّلِ حَوَالَةٌ جَائِزَةٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ، وَإِذَا اسْتَحَالَ مِنْهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْهُ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنْ أَفْلَسَ الْمُحِيلُ فَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا كَانَ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا لَمْ تَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَإِذَا أُحِيلَ مِنْهُ عَلَى دَيْنٍ مُعَجَّلٍ فَهُوَ مِنْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَإِذَا أُحِيلَ بِهِ عَلَى دَيْنٍ مُعَجَّلٍ فَهُوَ مِنْ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك، وَالدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَمِ، وَالذِّمَمُ لَا تَتَمَاثَلُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ لَمَا جَازَتْ الْحَوَالَةُ إلَّا مَعَ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَمَنْ أَخَذَ بِدَيْنِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَأَجْوَدُ أَوْ أَرْدَأُ لِتَعَذُّرِ تَمَاثُلِ الذِّمَمِ، وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى.
(ش) : قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ لَا تَبِعْ إلَّا مَا آوَيْت إلَى رَحْلِك يُرِيدُ مَا قَدْ قَبَضْته، وَصَارَ عِنْدَك، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِمَّنْ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَيَبِيعُ مِنْهُمْ بِالدَّيْنِ فَنَهَاهُ عَنْ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ أَوْ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ مُوَافَقَةِ الْمُبْتَاعِ مِنْهُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْهُ بِثَمَنٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَيَشْتَرِيهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَبْضُهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ، وَيُوَلِّي قَبْضَهُ الْمُبْتَاعَ مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْ هَذَا السَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ اشْتَرَاهُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ ثَمَنَهُ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ فِي ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ مِنْهُ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ لَا تَبِعْ إنِّي كُنْت مِنْ أَهْلِ هَذَا الصِّنْفِ، وَعَرَفْت بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا مَا قَدْ تَقَدَّمَ ابْتِيَاعُك لَهُ، وَصَحَّ مِلْكُك لَهُ، وَتَمَّ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ الذَّرِيعَةِ الَّتِي يُخَافُ عَلَيْك مُوَاقَعَتُهَا، وَتَعَلَّقَ تَبَايُعُك بِهَا، وَلَا تَعَلُّقَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِبَيْعِك مَا تَقَدَّمَ مِلْكُك لَهُ، وَقَبْضُك إيَّاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي بِالنَّقْدِ أَوْ يَكُونَانِ عَلَى التَّأْجِيلِ أَوْ يَكُونُ الْأَوَّلُ بِالنَّقْدِ وَالثَّانِي بِأَجَلٍ أَوْ يَكُونُ الْأَوَّلُ بِالْأَجَلِ، وَالثَّانِي بِالنَّقْدِ فَإِنْ كَانَ جَمِيعًا بِالنَّقْدِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ هَذَا الثَّوْبَ، وَلَا يُعَيِّنُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ أَوْ يَقُولُ اشْتَرِهِ لِنَفْسِك فَإِنْ قَالَ اشْتَرِ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، وَهُوَ لِي بِأَحَدَ عَشَرَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ بِالنَّقْدِ كُلِّهِ، وَهُمَا حَاضِرَانِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ دَخَلَهُ تَأْخِيرٌ، وَدَخَلَتْهُ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِيَاعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَهُوَ لِي بِأَحَدَ عَشَرَ، وَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَجَعَلَهُ ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ كُرِهَ ذَلِكَ، وَمُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبْتَاعَهُ لِنَفْسِهِ بِعَشْرَةٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الَّذِي يَقُولُ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا، وَأَنَا أُرْبِحُك فِيهَا كَذَا أَوْ أَنَا أُرْبِحُك فِيهَا، وَلَا يُسَمِّي شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الرِّبْحِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِهِ بِعَشْرَةٍ، وَلَك دِينَارٌ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَضَمَانُهُ مِنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّينَارَ جُعْلًا لِلْمَأْمُورِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي