(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَمْ تَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّا لَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحُلَّ وَقْتُهَا)
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُؤْذِنَهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّاسِ لِفِطْرِ الصَّائِمِ وَانْصِرَافِ الْمُتَصَرِّفِ جَمِيعَ نَهَارِهِ إلَى بَيْتِهِ فَكَانَ تَعْجِيلُهَا أَوْلَى مِنْ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا فَمَنْ آثَرَ التَّنَفُّلَ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّ الْأَذَانَ تَتَعَقَّبُهُ الْخُطْبَةُ وَهِيَ تَمْنَعُ التَّنَفُّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ إقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُؤَذِّنٌ فَجَازَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُهُ كَالْمُؤَذِّنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يُنَادَى لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ وَقْتِهَا لِأَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَوَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَسَمِعَ الْأَذَانَ فَعَلِمَ أَنَّهُ عِلْمُهُمْ الْمُتَّصِلُ فَرَجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ كَمَا رَجَعَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّاعِ بِمَا شَهِدَ مِنْ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ مَا وَقَعَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآثَارِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْأَذَانِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْآثَارُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْمَقْصُودِ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ اتِّصَالِ الْأَذَانِ إلَى الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ الْأَذَانِ لَهَا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا حَتَّى يَبْقَى السُّدُسُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ آخِرِ أَوْقَاتِ الْعِشَاءِ وَذَلِكَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَقَالَ الْوَقَارُ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَهَذَا قَوْلٌ فِيهِ بُعْدٌ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَالَ ذَلِكَ إنْكَارًا لِاسْتِعْمَالِهِ لَفْظَةً مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي غَيْرِ الْأَذَانِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ اجْعَلْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْأَذَانِ يَعْنِي لَا تَسْتَعْمِلْهَا فِي غَيْرِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا التَّثْوِيبَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ إذَا اسْتَبْطَأَ النَّاسَ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ لِإِفْرَادِ بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالنِّدَاءِ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَذَانِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ التَّثْوِيبَ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْكَرَ عُمَرُ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ يَعْنِي لَا تَسْتَعْمِلْهَا فِي غَيْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يَتْرُكُ الْمُؤَذِّنُ قَوْلَهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَمَنْ أَذَّنَ فِي ضَيْعَتِهِ مُتَنَحِّيًا عَنْ النَّاسِ فَتَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ إلَّا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ) .
(ش) : قَوْلُهُ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ لِأَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ أَكْثَرَ أَفْعَالِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَرَأَى أَنَّهَا مُخَالِفَةً لِمَا أَدْرَكَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّغْيِيرَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ صِفَةَ الْفِعْلِ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ الْفِعْلَ جُمْلَةً كَتَرْكِ الْأَمْرِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْكَرِ مَعَ عِلْمِ النَّاسِ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إلَّا النِّدَاءَ يُرِيدُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَهُ تَغْيِيرٌ لَعَرَفَ النَّاسُ ذَلِكَ وَلَعَرَفُوا أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَهُ فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْهُ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ.