(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَنْدَمُ الْبَائِعُ فَيَسْأَلُ الْمُبْتَاعَ أَنْ يُقِيلَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَيَمْحُو عَنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ وَيَزِيدَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الَّذِي اشْتَرَى إلَيْهِ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ لَهُ إلَى سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِجَارِيَةٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ السَّنَةِ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا مُقَدَّرَةً فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ الْمَنْعَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إجَازَةَ ذَلِكَ فِي الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ فَإِذَا كَانَ مَسْتُورًا بِالْجِلْدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَالصِّفَةِ فِيهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ لِصِفَتِهِ إذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَلَا تَفْرِيعَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ بِحُكْمِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجُوزُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْطَالِ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ الشَّاةِ وَزَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ الثُّلُثَ وَأَشْهَبُ يُجِيزُ الثُّلُثَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الثُّلُثَ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَمَرَّةً جَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَمَرَّةً جَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ وَفُرُوعُ مَسَائِلِهِ تَدُورُ عَلَى حَسَبِ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْبَائِعَ إذَا زَادَ الْمُبْتَاعَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْبَائِعِ مَا شَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَبِزِيَادَةٍ زَادَهَا إيَّاهُ وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ زَادَ نَقْدًا وَلَمْ يَجُزْ مُؤَجَّلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ إلَى أَجَلٍ.
(فَصْلٌ) :
وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ وَيَزِيدَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ الْفَصْلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمُبْتَاعُ الْعَشَرَةَ لِيُقِيلَهُ الْبَائِعُ، فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُقَاصَّةً، وَإِنْ زَادَ الْعَشَرَةَ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ عَشَرَةً مِنْ الْمِائَةِ الْمُؤَجَّلَةِ عَلَيْهِ فَصَارَ بَيْعًا وَسَلَفًا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ اللَّازِمَةُ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ رَبِيعَةُ فِي إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْحِمَارِ فِيمَنْ بَاعَ حِمَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَاسْتَقَالَهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى دِينَارٍ يُعَجِّلُهُ لِلْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اقْتَضَى ذَهَبًا يَتَعَجَّلُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ أَنَّهُ بَاعَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَجَارِيَةً نَقْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ لَهُ إلَى سَنَةٍ فَإِنَّهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ أَيْضًا فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَيَقْصِدُ بَيْعَ جَارِيَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مُعَجَّلَةً بِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ الذَّرَائِعَ يَقْوَى مَنْعُهَا بِتَكَرُّرِ الْقَصْدِ إلَيْهِ وَالْغَرَضِ فِيهِ، فَيُعَبِّرُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِقُوَّةِ التُّهْمَةِ فِيهِ وَيَضْعُفُ وَجْهُ الْمَنْعِ بِقِلَّةِ قَصْدِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ الصِّحَّةِ وَوَجْهًا أَوْ وُجُوهًا مِنْ الْفَسَادِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ الْفَسَادُ لَهُ لَازِمًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِنَفْسِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ إلَى أَجَلٍ أَقْرَبَ مِنْ أَجَلِ الْمِائَةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَشَرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِ الْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ جَارِيَةٌ مُعَجَّلَةٌ وَعَشَرَةٌ مُؤَجَّلَةٌ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ لِلْعَشَرَةِ وَالْمَنْعُ مِنْ الْمُقَاصَّةِ، وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ إلَى أَجَلِ الْمِائَةِ لَأَفْسَدَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ بَيْعَ جَارِيَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يُخْرِجُهَا وَلَا يَنْقُدُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ يَنْقُدُهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ فِي الْعَيْنِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَيَدْخُلُهُ مَعَ ذَلِكَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ فِي عَشَرَةِ