(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَاوَتْ الْمُسْلِمَةَ الْحُرَّةَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ سَاوَتْهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالْمُسْلِمَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعِدَّتِهَا حَقَّانِ حَقٌّ لِلْمَخْلُوقِ وَهُوَ حِفْظُ النَّسَبِ وَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا حَقُّ الْمَخْلُوقِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهَا وَلَا يُبْرِئُهَا إلَّا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا أَدَاءُ حُقُوقِهِ إلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهَا إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَقَضَى بِهِ يَقْتَضِي إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ وَأَنَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ وَلِذَلِكَ سَأَلَهَا عُثْمَانُ عَنْ خَبَرِهَا فَقَضَى بِهِ لَمَّا أَخْبَرَتْهُ عَنْهُ وَسَمَاعُ هَذَا مِنْ خَبَرِ الْفُرَيْعَةِ حَتَّى كَانَ الْأُمَرَاءُ يُرْسِلُونَ إلَيْهَا وَيَسْأَلُونَهَا عَنْ ذَلِكَ وَيَقْضُونَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِمَّنْ عَاصَرَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلِذَلِكَ رَوَى وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِالْإِسْنَادِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِهِ فَسَأَلَ النَّاسَ هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَنْصَارِ إنَّ فُرَيْعَةَ تُحَدِّثُ فِيهِ بِحَدِيثٍ وَهِيَ حَيَّةٌ قَالَتْ فَأَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْهُ فَحَدَّثْته فَأَخَذَ بِهِ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى اعْتِدَادَ الْمَرْأَةِ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَازِمًا لَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَجٍّ وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا لَمْ يُحْرِمْنَ فَإِذَا أَحْرَمْنَ نَفَذَتْ وَبِئْسَ مَا صَنَعْنَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِيمَا قَرُبَ جِدًّا، وَأَمَّا التَّبَاعُدُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ تَبَاعُدٌ لَيْسَ فِي الرُّجُوعِ مِنْهُ مَشَقَّةٌ وَلَكِنْ تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ثِقَةٍ تَرْجِعُ مَعَهُ، وَتَبَاعُدٌ تَلْحَقُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ الْفَرِيضَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرُدُّ مَنْ خَرَجَ مِنْهُنَّ فِي حَجٍّ مِنْ الْبَيْدَاءِ وَلَا يَمْنَعُ تَوَجُّهُهَا فِي الْحَجِّ مِنْ رَدِّهَا إلَى اسْتِكْمَالِ عِدَّتِهَا حَيْثُ لَزِمَتْهَا بِقُرْبِ الْمَوْضِعِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ تُرِيدُ الْحَجَّ لَوْ لَمْ تَكُنْ سَافَرَتْ إلَّا مَسِيرَةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَهَلَكَ زَوْجُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّتِي تَخْرُجُ تُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا وَتَجِدُ ثِقَةً رَجَعَتْ فَاعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا، وَلَوْ وَصَلَتْ إفْرِيقِيَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا تَنْفُذُ لِحَجِّهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبَاعَدَتْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ مُنْتَقِلًا تَارِكًا لِاسْتِيطَانِ الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَنْفُذَ أَوْ تَرْجِعَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ لَهَا مَنْزِلٌ فَتَخْتَارُ الْآنَ مَوْضِعًا تَعْتَدُّ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا أَوْ تَنْصَرِفَ إلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى فَتَعْتَدُّ فِيهَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ تُوُفِّيَ وَأَنَّ امْرَأَتَهُ جَاءَتْ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ وَفَاةَ زَوْجِهَا وَذَكَرَتْ لَهُ حَرْثًا لَهُمْ بِقَنَاةٍ وَسَأَلَتْهُ هَلْ يَصْلُحُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِيهِ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ سَحَرًا فَتُصْبِحُ فِي حَرْثِهِمْ فَتَظَلُّ فِيهِ يَوْمَهَا، ثُمَّ تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ إذَا أَمْسَتْ فَتَبِيتُ فِي بَيْتِهَا) .

(ش) : نَهَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ تَبِيتَ الْمَرْأَةُ فِي حَرْثِهَا الَّتِي جَاءَتْهُ تَسْأَلُهُ وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ السَّائِبِ بْنِ خَبَّابٍ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي بَيْتِهَا فَنَهَاهَا عَنْ الْمَبِيتِ فِي حَرْثِهَا فِي مُدَّةِ عِدَّتِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُهَا السُّكْنَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَعْنَى السُّكْنَى وَمُعْظَمُهُ الْمَبِيتُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي الْمَسْكَنِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُخِلَّ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تَنْصَرِفَ بِالنَّهَارِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ سَحَرًا قَبْلَ الْفَجْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015