. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) فَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ الرَّجُلَ بِمَا يَضُرُّهَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ بِهِ حِينَ الْعَقْدِ فَغَرَّهَا مِنْ نَفْسِهِ فَاخْتَارَتْ الطَّلَاقَ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا غَرَّهَا مِنْ نَفْسِهِ بِالْعُنَّةِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ، وَهَذَا أَبْيَنُ ضَرَرًا فَبِأَنْ يَجِبَ لَهَا الْخِيَارُ بِهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ حَدَثَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمَجْنُونِ سَوَاءٌ كَانَ جُنُونَ إفَاقَةٍ أَوْ مُطْبِقٍ إنْ كَانَ يُؤْذِيهَا وَيُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَأُجِّلَ سَنَةً يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ بَرِئَ وَإِلَّا فَهِيَ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ يُعْفِيهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا تَخَافُ مِنْهُ فِي خَلْوَتِهِ بِهَا فَلَا حُجَّةَ لَهَا وَقَالَ نَحْوَهُ أَشْهَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِذَا أَعْفَاهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ عَلَيْهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَأَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمَوْجُودِ حِينَ الْعَقْدِ، وَالْحَادِثِ بَعْدَهُ فَقَالَ فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ صَغِيرًا فَلَمَّا بَلَغَ ظَهَرَ أَنَّهُ أَحْمَقُ مُطْبِقٌ فَأَرَادَتْ هِيَ أَوْ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ الْفَسْخَ وَقَالَتْ: كَانَ الْجُنُونُ بِهِ قَدِيمًا وَبِالْبُلُوغِ ظَهَرَ فَهَذَا لَا يُعْرَفُ، وَهُوَ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْجُنُونِ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ يَتَعَالَجُ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُحْبَسُ فِي حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَهَذَا فِي الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لَا تَسْتَوْحِشُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَيُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ أَذًى، فَإِنَّ عِنْدِي أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَرِئَ الْمَجْنُونُ فِي السَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ، فَإِنْ بَرِئَ وَإِلَّا فَهِيَ بِالْخِيَارِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
(فَرْعٌ) وَالْمُوَسْوَسُ وَاَلَّذِي يَغِيبُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سَوَاءٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُؤَجَّلُ الْمُوَسْوَسُ سَنَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ يُعْدَمُ مَعَهَا الْعَقْلُ، وَالْمَيْزُ فَأَشْبَهَتْ الْجُنُونَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْجُذَامُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْجُذَامِ وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَعْنًى مَنَعَ الِاسْتِمْتَاعَ.
(فَرْعٌ) وَمِقْدَارُ الْجُذَامِ الَّذِي يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ قَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَشِعًا حِسًّا لَا يُحْتَمَلُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَتُغَضُّ الْأَبْصَارُ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ جُذَامٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا وَلَا فَاحِشًا فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُنَّ إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُؤْمَنُ زِيَادَتُهُ.
وَأَمَّا الْخَفِيُّ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ جُذَامٌ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَفْسَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَذًى وَلَا مَضَرَّةٌ مِنْ قُبْحِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَالنِّفَارِ مِمَّنْ هُوَ بِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ النَّشَاطَ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ، وَالِانْبِسَاطَ إلَيْهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا لَوْ كَانَ الْجُذَامُ بِالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَلَوْ شَاءَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ سِنِينَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّتِي لَهَا الْخِيَارُ بِقُبْحِ جُذَامِ زَوْجِهَا فَشَاءَتْ الْمُقَامَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَلِكَ لَهَا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا خَيَّرَ زَوْجَةَ الْأَجْذَمِ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ سِنِينَ لَا حُجَّةَ لَهَا إذَا كَانَ رِضَاهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا أَشْهَدَتْ إلَّا أَنْ يَتَزَايَدَ أَمْرُهُ وَرَوَى عَنْهُ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: لَا حُجَّةَ لَهَا إذَا قَالَتْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَذْهَبُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَشْتَدُّ ضَرَرُهُ وَيَتَزَايَدُ أَمْرُهُ وَلَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَزِمَهَا لِأَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ حَكَمَ بِإِسْقَاطِ خِيَارِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْبَرَصُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ الرَّجُلَ بِمَا يَرُدُّهَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَهَذَا فِيمَا غَرَّهَا بِهِ وَمَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ مِنْ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ فَلَهَا الْخِيَارُ