(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمِ طَلَاقِهَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةٌ، وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا إذَا كَانَ بَعْدَهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ تَجَدَّدَ لِرِيبَةٍ مُجَرَّدَةٍ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّلْفِيقُ، وَالْحَيْضُ لَيْسَ بِرِيبَةٍ بَلْ يَنْفِي الرِّيبَةَ فَلِذَلِكَ لُفِّقَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ.
1 -
(فَرْعٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَيْضُ، فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُطَلَّقَةِ تُسْتَرَابُ فَتَرَى فِي السَّنَةِ دَمًا أَوْ مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا انْتَظَرَتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ لَا يَهْدِمُ الِاسْتِبْرَاءَ وَلَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ يُرِيدُ أَنَّ فِي طُولِ مُدَدِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْعِدَدِ، وَالْحَيْضِ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَا يَنْقَطِعُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ وَيُحْكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا بَاتًّا فَلَا تَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ الْبَتَّ يُنَافِي الرَّجْعَةَ.
(ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَ ثُمَّ فَارَقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ: إنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ وَلَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى يُرِيدُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَهْدِمُ الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ يُنَافِي حُكْمَ الْعِدَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ بَطَلَتْ الْعِدَّةُ، فَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقٌ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا لَمْ يُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَزِمَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يَصِحَّ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إبْطَالِ الرَّجْعَةِ الْعِدَّةَ فَلَزِمَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ الثَّانِي.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ طَلَاقٍ غَنِيًّا عَنْ إزَالَتِهِ وَرُبَّمَا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ وَقْتٍ إلَيْهِ وَأَخْطَأَ حِينَ ارْتَجَعَ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْجِمَاعُ مَعَ مَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَظَلَمَ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ مَعَ عَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَلَى وَجْهِ الزَّوْجِيَّةِ وَمَقْصُودِهَا وَقَوْلُهُ {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ طَلَاقَ السُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] ، وَالرَّجْعَةُ تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ لَا يَرْتَجِعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى ارْتِجَاعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] فَسَمَّى تَزْوِيجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ارْتِجَاعًا، وَالثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ الرَّجْعَةُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا الِارْتِجَاعُ الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] وقَوْله تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] الْإِمْسَاكُ الرَّجْعَةُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ» وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ وُقُوعِهِ بِالْقَوْلِ فَأَمَّا بِالْفِعْلِ نَحْوِ الْجِمَاعِ أَوْ الْقُبْلَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يَصِحُّ بِهَا وَبِسَائِرِ الِاسْتِمْتَاعِ لِلَّذَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمِثْلُ الْجِسَّةِ اللَّذَّةُ أَوْ يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِهَا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَهُ رَفْعُهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ رَفْعُهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ بِالْوَطْءِ كَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يَكُونُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ